تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من قول الصديق رضي الله عنه لما ولي الخلافة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 08 - 2008, 07:38 ص]ـ

[من قول الصديق رضي الله عنه لما ولي الخلافة]

"أما بعد أيها الناس: فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله".

"أما بعد": تفصيلية مشعرة بإطناب بعدها، فتقدير الكلام: أما الابتداء فبما تقدم من حمد الله، عز وجل، والثناء عليه بما هو أهله، وأما قولي فهو: كيت وكيت، كما ذكر ذلك، الكرماني رحمه الله.

"أيها الناس": استرعاء لانتباه المخاطبين، فلا أجل من موقف كهذا، يضع فيه الخليفة الخطوط العريضة لسياسة الدولة بعد وفاة قائدها صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

"فإني قد وليت عليكم": فلم أسعَ إليها لأضيف الفعل إلى نفسي، وإنما سيقت إلي سوقا، وأنا لها كاره.

"ولست بخيركم": تواضع يقتضيه المقام، فالنفس أحوج ما تكون إلى الهضم في موضع تحظى فيه بتزكية مطلقة، كتلك التي حظي بها الصديق، رضي الله عنه، من أهل الحل والعقد في البيعة الخاصة في السقيفة، ومن عموم المسلمين في البيعة العامة في المسجد، فإن الإجماع قد انعقد على خلافة أبي بكر، رضي الله عنه، وإن خالف الأنصار، رضي الله عنهم، في أول الأمر، فلما وقفوا على اختصاص قريش بذلك الشأن، رجعوا إلى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فما كانوا ليطيعوه حيا ويعصوه ميتا، وهم الذين آزروه حتى بلغ رسالة ربه، فقدموه على الأنفس والأهل والذراري والأموال، ولسان حالهم: "لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ خَلُصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ"، فكان هذا الإجماع، على بيعة الصاحب، رضي الله عنه، من عموم المسلمين بما فيهم آل البيت رضي الله عنهم كما ثبت في الروايات الصحيحة الصريحة، رافعا للخلاف الذي سبقه، كما قرر أهل العلم.

يقول الحافظ ابن كثير، رحمه الله، في "البداية والنهاية":

"فقوله رضي الله عنه: - وليتكم ولست بخيركم - من باب الهضم والتواضع فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم". اهـ

وإجماع من جاء بعدهم حجة، فكيف بإجماعهم وهم خير طباق الأمة؟!!!!

"فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله":

مقابلات بين أضداد، تزيد الأمر بيانا، فبالضد يعرف حسن الشيء أو قبحه، ولقائل أن يقول: الطباق بالإيجاب بين الإحسان والإساءة، والإعانة إيجابا والتقويم سلبا، والصدق والكذب، والأمانة والخيانة، والضعف والقوة، وإيصال الحق إلى صاحبه ونزعه من مغتصبه، تؤدي نفس الغرض البلاغي لتقابل الجمل التي تضمنتها، فالتعريف بالضد حاصل في كلا الحالين.

"لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل": خبر مؤكد بأقوى أساليب الحصر: النفي والاستثناء، يتضمن إنشاءً، بالحض على الجهاد، وإلا استحقت الأمة وعيد تركه، فالنص على الوعيد، وإن كان خبرا، إلا أنه يتضمن الأمر بالمتوعد على تركه، أو النهي عن المتوعد على فعله، فلسان حال الخطيب: جاهدوا وإلا ضربكم الله، عز وجل، بالذل.

وقد يقال بأن في استعمال فعل الضرب، استعارة مكنية بتشبيه الذل بالحجارة المقذوفة، وحذف المشبه به والتكنية عنه بلازم من لوازمه وهو الضرب، أو استعارة تصريحية في نفس الفعل، بنيابته عن فعل الإصابة، فتقدير الكلام: وإلا أصابكم الله بالذل، وفي كلا التقديرين: إشعار بغلظ العقوبة، إذ الضرب مظنة الإهانة، كما هو مشاهد اليوم من حال أمة الإسلام لما نكلت عن أمر ربها، ورضيت بالزرع واتبعت أذناب البقر.

"ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير