تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[طول الكلمة القرآنية]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:42 ص]ـ

[طول الكلمة القرآنية]

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ

من اشتراطات أهل البلاغة لفصاحة اللفظة المفردة أن تكون معتدلة الوزن في التأليف، قليلة الحروف، وذلك ليسهل النطق بها، وتكون لذيذة في السمع، طيبة المجرى على اللسان.

ولا جدال في أن اعتدال الكلمة في تأليف حروفها يقربها من أذن السامع، فلا يشعر بثقل نغمها الصوتي. غير أن مسألة الاعتدال هذه إنما ترجع في كثير من جوانبها إلى فنية الاختيار، ودقة هذا الاختيار، ثم يلي ذلك مسألة قبول المتلقي لهذا الاختيار بالقبول والاستحسان، أو بالرفض والاستهجان. ونلمس ذلك بوضوح عندما نستعرض ما ذكره ابن الأثير تعليقاً على كلمة (سويداواتها) الواردة في بيت المتنبي:

إنَّ الكرامَ بلا كِرَام منهم مثل ُ القُلُوب بلا سويداواتها

فينكر أن يكون الطول الذي تتميز به كلمة (سويداواتها) هو الذي قبح هذه المفردة مثلما قال ابن سنان ()، وإنما مناط الأمر فيها أنها هي نفسها قبيحة بهذا التركيب الجديد، فقد كانت رائقة المعنى حينما كانت مفردة (سويداء). ويدلل ابن الأثير على صدق ما ذهب إليه بإيراد أمثلة من القرآن الكريم تدليلاً على طول الكلمة وتألق معانيها رغم هذا الطول الحرفي. يقول ابن الأثير: " قال (يريد ابن سنان): إن لفظة سويداواتها طويلة فلهذا قبحت، وليس الأمر كما ذكره، فإن قبح هذه اللفظة لم يكن بسبب طولها، وإنما لأنها في نفسها قبيحة، وقد كانت وهي مفردة حسنة، فلما جمعت قبحت لا بسبب الطول. والدليل على ذلك أنه قد ورد في القرآن الكريم ألفاظ طوال، وهي مع ذلك حسنة كقوله تعالى: ? فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ? () فإن هذه اللفظة تسعة أحرف، وكقوله تعالى: ? لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ? ()، فإن هذه اللفظة عشرة أحرف ()، وكلتاهما حسنة رائقة، ولو كان الطول مما يوجب قبحاً لقبحت هاتان اللفظتان " ().

غير أن ابن الأثير حين يثبت الجمالية لكلمة (سويداواتها) استئناساً بتوظيف القرآن الكريم لكلمات طوال مثل (فسيكفيكهم) و (ليستخلفنهم) فإنه بذلك يصب رونق النظم في النص القرآني على قالب الشعر، وهذا مستبعد تماماً، ذلك أن القرآن الكريم يخضع في اختيارات كلماته وألفاظه لمعايير صوتية وصرفية وتركيبية وجمالية أرفع وأدق بما لا يحصر عن محددات التعبير في النص البشري المتمثل في الشعر.

وفي الإطار ذاته يدلي الرافعي في هذا المسألة بقوله: " وردت في القرآن ألفاظ هي أطول الكلام عدد حروف ومقاطع مما يكون مستثقلاً بطبيعة وضعه أو تركيبه، ولكنها بتلك الطريقة التي أومأنا إليها قد خرجت في نظمه مخرجاً سرياً، فكانت من أحضر الألفاظ حلاوة، وأعذبها منطقاً، وأخفها تركيباً، غذ تراه قد هيّأ لها أسباباً عجيبة من تكرار الحروف، وتنوع الحركات، فلم يجرها في نظمه إلا وقد وجد ذلك فيها كقوله: ? لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ? ()، فهي كلمة من عشرة أحرف ()، وقد جاءت عذوبتها من تنوع مخارج الحروف، ومن نظم حركاتها، فإنها بذلك صارت في النطق كأنها أربع كلمات، إذ تنطق على أربعة مقاطع. وقوله: ? فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ? ()، فإنها كلمة من تسعة أحرف، وهي ثلاثة مقاطع، وقد تكررت فيها الياء والكاف، وتوسط بين الكافين هذا المد الذي هو سر الفصاحة في الكلمة كلها " ().

و الذوق العربي يسلك في تأليف الكلمة مسلك الاعتدال والتوسط فيجعلها على البناء الثلاثي الأصول، ولذا جاءت أكثر الكلمات على هذا البناء، واستوحش ما كان خماسياً، وجعل التأليف على أربعة من متوسطات التأليف للكلمة. غير أن النص القرآني جاء بتوظيف الكلمات الطوال في سعة ورحابة وطلاقة، فوظف ما شاء من هذه الكلمات بما شاء من تآليف على أحسن ما يكون من نسق وأتمه، فجاءت كلماته كلها درراً منتظمة، وغرراً براقة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير