من قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ........ )
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 06 - 2008, 02:25 م]ـ
من قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ ....... :
توكيد بـ: "إن"، واسمية الجملة، واللام الداخلة على خبرها: "للذي".
وُضِع: حذف الفاعل للعلم به، فالله، عز وجل، هو مقرر الشرائع، ومنها: حج البيت الحرام.
للذي: إيجاز بالحذف، فتقدير الكلام: للبيت الذي ................ ، كما في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، فتقدير الكلام: وإن أحد من أهل الكتاب ............
وفي حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه إشعار بنباهة ذكره وعظم شأنه فهو غني عن التعريف.
وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "وفي ترك الموصوفِ من التفخيم ما لا يخفى". اهـ
فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ: تقديم متعلق الخبر: "فيه"، وحقه التأخير فيفيد الحصر والتوكيد.
مقام إبراهيم: تفصيل بعد إجمال، فذكرت الآيات أولا: مجملة، فأثارت انتباه السامع، فتساءل: ما هي هذه الآيات البينات؟، فجاء الجواب: "مقام إبراهيم".
وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا: خبر أريد به الإنشاء، فتقدير الكلام: فأمنوه، وإيراد الأمر بصيغة الخبر يزيده توكيدا، فكأنه واقع يخبر عنه، لا أمر يطلب إنشاؤه.
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ: اللام في لفظ الجلالة للاستحقاق، فله وحده، عز وجل، تكون العبادة سواء أكانت بدنية، كالصلاة، أم مالية كالزكاة، أم مركبة من كليهما كالحج.
عَلَى النَّاسِ: عام أريد به خاص وهم المؤمنون لمن يقول بأن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، فيكون مجازا، عند من يقول بالمجاز، إذ أطلق الكل وأراد البعض، بخلاف من قال بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وبما لا تصح إلا به من أصول الدين، فالعموم عنده: محفوظ لم يدخله تخصيص.
حج البيت: من إضافة الفعل إلى المفعول.
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا: بيان لمجمل الأمر، فإنه قد ورد عاما، ثم خص ببدل بعض من كل، فحصل بيان عمومه، وفي هذا من الامتنان على العباد ما فيه، لأن الأمر قد طرق سمعهم أول الأمر: عاما، ثم حصل التخفيف باشتراط القدرة، فهدأت نفوس الفقراء والمرضى ........ إلخ ممن لا يقدرون على امتثاله، بعد اضطراب، بخلاف ما لو ورد الأمر خاصا من أول الأمر، فإن العباد لن يستشعروا منة الله، عز وجل، عليهم، بالتخفيف عن غير القادر ببدنه أو ماله.
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ: احتراس، لئلا يتوهم أحد أن الله، عز وجل، قد فرض الحج افتقارا إلى مؤديه، فالله، عز وجل، هو الغني عن خلقه، ومن سواه مفتقر إليه: إيجادا وإعدادا وإمدادا بعطاء الربوبية العام وعطاء الألوهية الخاص الذي امتن به على عباده الموحدين، ولا منة أعظم من منة الإسلام.
وفي التنزيل: (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)، و: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
والله أعلى وأعلم.