تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تلوينات التكرار في الجملة القرآنية]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[27 - 07 - 2008, 05:33 م]ـ

[تلوينات التكرار في الجملة القرآنية]

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ – مصر

يلجأ المتكلم إلى تكرار الجملة قصداً لمعانٍ يريدها ويبغيها من ذلك التكرار، هذه القصدية تستند في جمالياتها إلى ردّ فعل المتلقي وقدرته على إدراك مزية هذا التكرار أينما وُجِد. كما أنها تتكئ في مقصودها على نسج كلام المُبْدِع لأنه الموجه الأهم لهذا التكرار.

ولذا فالتلوين الصوتي بتوظيف التكرار في سياق التراكيب لا بد من اعتماده نسقاً معيناً من أنساق التعبير من ناحية، ثم بيان أغراض هذا التعبير بهذا النسق من ناحية أخرى، وذلك من حيث مقصدية هذا التكرار.

والحديث عن التلوين بالتكرار في سياقات التراكيب يتخذ عدة صور تعبيرية في سياق النص القرآني، نعرض لها كما يلي:

أولاً: تكرار شبه الجملة

من فرائد التوظيف القرآني توظيفه لشبه الجملة (الظرف، أو الجار والمجرور) في بنية تكرارية مقصود من وراء توظيفها أغراض دلالية محددة. فقد تكرر شبه الجملة للتشنيع، أو التخويف، أو لزيادة التقرير، أو للتأكيد، وذلك لما تتضمنه من معان وأغراض. ونلمس ذلك في قوله تعالى: ? وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ? (). حيث كرر شبه الجملة؛ الجار والمجرور (لهم) في الآية ثلاثة مرات على دلالة تشنيع هذا العذاب، وبيان ما أعد لهم من خزي في الدنيا والآخرة. يقول أبو السعود: " تقديم الظرف في الموضعين للتشويق إلى ما يذكر بعده من الخزي والعذاب لما مرّ من أن تأخير ما حقه التقديم موجب لتوجه النفس إليه فيتمكن منها عند وروده فضل تمكن " ().

ويرى ابن عاشور أن التكرار بعطف أشباه الجمل في الآية دليل على أنها " تتميم لما قبلها، إذ المقصود من مجموعها أن لهم عذابين؛ عذاباً في الدنيا، وعذاباً في الآخرة " ().

فبنية التكرار لشبه الجملة هنا أفادت تنويع العذاب، وبيان عدم اتحاده، إذ أن لهم في الدنيا نوع، وفي الآخرة نوع آخر مختلف. فالتكرار على دلالة التهويل والتخويف ثم تشنيع صورة هذا العذاب في النفس.

* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ? ()، حيث كرر شبه الجملة الجار والمجرور (عليهم) في جانب طائفتين هما؛ (المُنْعَم عليهم) و (المغضوب عليهم). يقول الزمخشري في تعليله لتكرار شبه الجملة في الآية: " إن قلت: أي فرق بين (عليهم) الأولى، و (عليهم) الثانية؟ قلت: الأولى محلها النصب على المفعولية، والثانية محلها الرفع على الفاعلية " ().

وهذا كلام دقيق راعى الزمخشري فيه الموقع الإعرابي لتعلق شبه الجملة، إذ هي في جانب المُنْعَم عليهم في محل نصب مقعول به (سدت مسده)، وفي جانب المغضوب عليهم تقع في محل رفع نائب فاعل لاسم المفعول من الفعل المضارع المبني للمجهول. وعلى هذا فالتكرار في الآية قائم على تحقيق:

1 - التفرقة بين الفريقين من حيث الجزاء لأنهما متغايران.

2 - الحكم الإعرابي لكل منهما، لأنهما متغايران في هذا أيضاً.

فأفاد التكرار هنا جمالية موظفة في ثنايا النص الجليل، هذه الجمالية مستفادة من بنية التكرار الذي هو هنا حتمي ولازم في التعبير لدفع التوهّم إذ لم يكن تكرار.

ومنه قوله تعالى: ?وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ? ()، حيث كرر شبه الجملة؛ الظرف (قبل) مسبوقاً بحرف الجر (من) في موضعين من الآية الكريمة، وذلك في سياق الإخبار عن نعمة المطر. يقول ابن الأثير: " تكرير (من قبله) يدلّ على بعد عهدهم بالمطر وتطاوله، فاشتد لذلك يأسهم، فكان استبشارهم بالمطر على قدر اغتمامهم لانقطاعه " ().

ويرى الطوفي أن تكرار شبه الجملة في هذه الآية فائدته " تحقيق إبلاسهم وإياسهم من المطر في تلك المدة، وذلك الزمان، أعني: الذي قبل نزول الغيث " (). وعلى هذا يوجد رأيان:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير