[استنطاق السائل بالجواب]
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 05 - 2008, 08:00 ص]ـ
من صور البلاغة في حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
استنطاق السائل بالجواب، بطرح المسألة على هيئة سؤال يجيب عنه السامع بنفسه، فمن ذلك:
حديث ابن عمر، رضي لله عنهما، مرفوعا: (إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟)، فأثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأفهام بطرح السؤال، فـ: "فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي"، كما يقول ابن عمر، رضي الله عنهما، فكل ينظر ويتأمل بحثا عن الجواب، وفي هذا تثبيت للمسألة في الأذهان، فإن ورودها على سبب أو سؤال أدعى لحفظها وضبطها.
ومنه:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟).
فإن السؤال يتضمن جوابا عن الفتوى، فإن الغالب على الصحابة، رضي الله عنهم، في ذلك الوقت، فقر الأبدان وإن كانوا أغنى الناس قلوبا، فكان معظمهم لا يجد إلا الثوب الواحد يصلي فيه، فعلم من سكوت الشارع، عز وجل، على ذلك: جوازه، إذ: السكوت في موضع البيان بيان، ولو كان محرما لنبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في حقه، فكأنه أجاب السائل قائلا: ما كان لك أن تتوقف في ذلك، لأنك ترى معظم أصحابي لا يملكون إلا ثوبا واحدا يصلون فيه، ولم أنكر ذلك عليهم.
ومنه حديث:
تقبيل عمر، رضي الله عنه، زوجَه، وهو صائم وفيه: (أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ، (أي: عمر رضي الله عنه)، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيمَ)، فأجاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسؤال تضمن قياس القبلة على المضمضة بجامع أن كليهما، كما يقول ابن قدامة، رحمه الله، في "المغني"، مقدمة لمفطر، ومع ذلك لا يفطر الصائم بمباشرته، فالمضمضة مقدمة ابتلاع الماء، والقبلة مقدمة الجماع، وفي هذا من البيان ما فيه، إذ أحال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصورة المختلف فيها إلى صورة متفق عليها فحصل البيان بأوجز عبارة وأوضح إشارة.
ومنه حديث: أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، (أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ: نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ: حُمْرٌ قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَنَّى ذَلِكَ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ).
، فهنا، أيضا، استنطق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأعرابي الذي أنكر غلامه بقياسه على الجمل الأورق، فقد يكون اللون المختلف في كليهما موروثا من جد قديم، كما أثبت العلم الحديث إذ الصفات المتنحية قد تظهر في بعض الأجيال الآتية، وإن كان الأصل ظهور الصفات السائدة عليها.
ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى)، فقاس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دين الخالق، عز وجل، على دين المخلوق، قياسا أولويا، فحصل البيان، أيضا، بأقوى أنواع القياس، إذ تحقق العلة في الفرع أقوى منه في الأصل، وفي هذا من قوة البيان ما فيه.
ومنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ قَالُوا نَعَمْ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ).
¥