[جماليات التعريف والتنكير في الكلمة القرآنية]
ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[06 - 07 - 2008, 12:48 ص]ـ
[جماليات التعريف والتنكير في الكلمة القرآنية]
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
ينهج القرآن الكريم منهجاً فريداً في انتقاء الكلمة القرآنية مراعياً أبعادها الصوتية والصرفية، ثم في توظيفها بعد ذلك في السياق التركيبي، ولذا فالكلمة القرآنية في هذا الإطار تتمتع بكل عناية واهتمام منذ لحظة الانتقاء إلى لحظة التوظيف النصي. ومن ضمن أسس الانتقاء؛ التوظيف السياقي للكلمة القرآنية في هيئات النكرة والمعرفة، وما ذاك إلا قصداً لدلالات بعينها.
وتوظيف الكلمة منكرة أو معرفة إنما يخضع في خصوصيته لمحددات السياق النصي، وفنيات التوظيف الجمالي. يقول الزملكاني: " قد يظن ظانٍ أن المعرفة أجلى، فهي من النكرة أولى ن ويخفى عليه أن الإبهام في مواطن خليق، وأن سلوك الإيضاح ليس بسلوك للطريق. وعلة ذلك أن النكرة ليس لمفردها مقدار مخصوص، بخلاف المعرفة، فإنها لواحد بعينه، يثبت الذهن عنده، ويسكن إليه " ().
فالزملكاني يقرر هنا أن النكرة اصل والتعريف فرع عليه، إذ قد يراد من وراء توظيف النكرة الدلالة على عموم وشمول لا تستطيع المعرفة أن تدل عليها. لكن ذلك لا يلغي أهمية التوظيف للمعرفة في سياقها النصي الخليق بها ().
ولنحاول الوقوف على بعض سياقات التعريف والتنكير في كلمات القرآن الكريم، رغبة في إدراك بعض جماليات التوظيف لهذه الفنية في السياق القرآني.
* فمن ذلك قوله تعالى: ? وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ? ()، فقد وظف النص القرآني في هذه الآية كلمة (نفحة) منكرة، وهي لم ترد في القرآن الكريم كله إلا في هذا الموضع. والمعنى يدور في الآية على سياق (التقليل)، وهذا كما يقول القزويني: " مستفاد من البناء للمرة، ومن نفس الكلمة لأنها إما من قولهم: (نَفَحَتْ الريحُ) إذا هبَّتْ، أي هبة. أو من قولهم: (نَفَحَ الطيبُ) إذا فاح، أي فَوْحَة. كما يقال: (نسمة). واستعماله بهذا المعنى في الشر استعارة، إذ أصله أن يستعمل في الخير، يقال له: (نفحة طيبة) أي: هبة من الخير " ().
وفي تنكير التقليل في (نفحة) ملحظ أسلوبي لطيف، فإذا كانت النفحة الواحدة من العذاب تذكرهم بالويل المنتظر، وبالظلم الذي اكتسبوه، فما بالهم بما وراءها من لفحات العذاب. والتنكير هنا في إفادته التقليل، يقوم أيضاً على لإفادة التوبيخ والتنبيه على أن مسّ قدر يسير من العذاب لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به.
وربما استدعت البنية الصوتية لكلمة (نفحة) كلمة أخرى تدنو منها في تلك البنية، ألا وهي كلمة (لفحة) التي تخالفها في المدلول الإيحائي. وهذا الاستدعاء الصوتي نوع من " العلاقات الإيحائية التي تعني أن العلاقة (الرمز) يمكنها أن توحي بمدلول علامات أخرى مشابهة صوتياً لها من الناحية النحوية، أو من ناحية المعنى، اعتماداً على هذا التناسب أو التشابه الصوتي " ().
ونستطيع أن نتخيل المعنى لو وردت كلمة (نفحة) معرفة، لانعقد المعنى حينئذ – في غير القرآن – على إفادة معنى الحصر لهذا العذاب، إذ هي (النفحة) التي تعقبها نفحات، سرعان -حاشا لله – ما تنتهي وتزول. وهذا بالطبع يتناقض مع سياق التعذيب الدائم والمستمر لهؤلاء المعاندين.
* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ? (). فقد وردت هنا كلمتان معرفتان هما (العزيز) و (الكريم). وبمقارنة سياق ورود هاتين الكلمتين في القرٌآن الكريم نجد أنهما قد وردتا منكرتين في آيات أخرى مثل قوله تعالى: ? عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم ? ()، وقوله تعالى: ? مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ? ()، قوله تعالى: ? إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ? ()، وقوله تعالى: ? أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ? ()، وقوله تعالى: ? وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزا ? ().
¥