المعاني الدلاليةُ لألفاظِ الظلمِ في السياقِ القرآني ..
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[07 - 09 - 2008, 05:52 ص]ـ
:::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد نظر فاحص في الآيات التي بها كينونة هذا الموضوع (آيات ألفاظ الظلم)، تبين أنه يمكن تصنيف معاني الظلم، وسياقاته في الذكر الحكيم إلى محورين رئيسين، تنتظم فيهما جملة من التفريعات:
فالمحور الأول: انتظمت فيه آيات تنزيه الله ــ جل وعزـ عن الظلم، وقد سُلك في إبراز هذا المعنى سبيلان:
أحدُهما: تنزيه الله ــ جل شأنه ــ عن الظلم دون أن يثبته لغيره، وقد أُخرج هذا المعنى في ثلاث صور:
أولها: تنزيه يدل على عدم الانتقاص في الجزاء على العمل الصالح مما يعني: أداءه وافيًا، كقوله تعالى: " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون " (البقرة / 272).
وثانيها: تنزيه يدل على عدم الانتقاص في الجزاء مع عدم المعاقبة بغير جريرة، كقوله تعالى: " تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلمًا للعالمين " [آل عمران: 108].
وثالثها: تنزيه يدل على عدم المعاقبة بغير جريرة لمن شاءت إرادته عقابَه، كما جاء في قوله تعالى: " ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد " [آل عمران: 182].
وثانيهما: تنزيه الله ــ جل شأنه ــ عن الظلم مع إثباته لغيره، وله صورتان:
إحداهما: تنزيه عن أن يقع على الله ــ تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا ــ ظلم من أحد من خلقه، وعلى هذا جاء قوله تعالى: " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " [البقرة:57].
وثانيتهما: تنزيه عن أن يقع منه ــ تعالى ــ ظلم على أحد من خلقه،
ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: " مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون " [آل عمران: 117].
**********
والمحور الثاني: إثبات ظلم الإنسان لنفسه، وقد استأثر هذا المحور بمعظم آيات ألفاظ الظلم في القرآن الكريم، واتسعت معاني الظلم ودلالاتُه في هذا المحور وفقًا للسياق الذي اقتضاها، وعُبر بالظلم عن مختلف المآثم والكبائر.
ويمكن حصرُ آيات هذا المحور في نوعين رئيسين:
النوع الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله ــ تعالى ــ، فتارة يعبر بالظلم عن الشرك والكفر بالله، كقوله تعالى: " إن الشرك لظلم عظيم " [لقمان: 13]
وتارة ينتظم الظلم في سلك الافتراء على الله، فيطالعنا قوله تعالى: " فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون " [آل عمران: 94].
وتارة يطلق الظلم على المكذبين الجاحدين بآيات الله، كقوله تعالى: " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " [الأنعام: 33].
وتارة يراد بالظلم: المخالفةُ لأوامر الله، والاجتراء على حدوده، كما قال ــ تعالى ــ معبِّرًا عن الزنا بلفظ الظلم: " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " [يوسف: 23].
النوع الثاني: ظلم بين الإنسان وأخيه.
وقد أُخرج هذا الظلم في صور عدة، تتراوح عظمًا وشدة، منها: الظلم الناشئ بسبب التمسك بالعقيدة الصحيحة، والإيمان الحق، كما في قوله تعالى: " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًّا واجعل لنا من لدنك نصيرا " [النساء: 75].
ومنها: الظلم الدال على التعدي على الحقوق، والاستطالة على الناس، ومن هذا النوع: عبر عن الربا بلفظ الظلم في قوله تعالى: " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون " [البقرة: 279].
وعُبر عن قتل النفس بغير الحق بالظلم في قوله تعالى: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " [الإسراء: 33].
¥