[من الأسجاع الحسنة]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[17 - 06 - 2008, 07:38 م]ـ
ومن الأسجاع الحسنة قول الأعرابية حين خاصمت ابنها إلى عامل الماء فقالت: " أما كان بطني لك وعاءً؟ أما كان حجري لك فناءً؟ أما كان ثديي لك سقاءً؟ فقال ابنها: " لقد أصبحتِ خطيبةً رضي الله عنك"
لأنها قد أتت على حاجتها بالكلام المُتَخيَّر كما يبلغ الخطيب بخطبته
البيان والتبيين
ـ[محمد سعد]ــــــــ[18 - 06 - 2008, 10:40 ص]ـ
يقول ابن الأثير في هذا الموضوع: "وإذا كانت مقاطع الكلام معتدلة وقعت من النفس موقع الاستحسان، وهذا لا مراء فيه لوضوحه" (1)
كما خصص الجاحظ لهذه الظاهرة الشائعة في الأداء الكلامي عند العرب الأولين أكثر من موضع في كتابه البيان والتبيين (2) نقتطف أمثلة منها لتبيين بعض ما كان يدور على ألسنتهم من أسجاع سواء لدى الرجال أم لدى النساء ـ ولا نعدم بقاءه إلى اليوم في كلامنا.
من ذلك أن أعرابياً وصف رجلاً، فقال: صغير القدر، قصير الشبر (3)، ضيق الصدر، لئيم النجر (4)، عظيم الكبر، كثير الفخر.
ومنه أن أعرابياً سأل رسولاً قدم من أهل السند: كيف رأيتهم البلاد؟ قال: ماؤها وشل (5) ولصها بطل وتمرها دَقَل (6)، إن كثر الجند بها جاعوا وإن قلوا بها ضاعوا.
ومما أورده كذلك أنه قيل لصعصعة بن معاوية: من أين أقبلت؟ قال: من الفج العميق. قيل: فأين تريد؟ قال: البيت العتيق. قالوا: هل كان من مطر؟ قال: نعم، حتى عفى الأثر وأنضر (7) الشجر، ودهدى (8) الحجر.
إن هذه النصوص وما يشبهها تصدع بأنهم كانوا يستحسنون السجع ويفضلونه على ما سواه، لما فيه من مزايا لا توجد في غيره، فقد "قيل لعبد الصمد بن المفضل بن عيسى الرقاشي لم تؤثر السجع على المنثور وتلزم نفسك القوافي وإقامة الوزن؟
قال: إن كلامي لو كنت لا آمل فيه إلا سماع الشاهد لقل خلافي عليك ولكني أريد الغائب والحاضر والراهن والغابر، فالحفظ إليه أسرع والآذان لسماعه أنشط وهو أحق بالتقييد وبقلة التفلت، وما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يحفظ من المنثور عشره ولا ضاع من الموزون عشره" (9).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المثل السائر 1/ 272.
(2) ينظر مثلاً: 1/ 284، 285، 286، 305 ...
(3) الشبر: قدر القامة.
(4) النجر: الطباع.
(5) الوشل: الماء القليل.
(6) الدقل: محركة أردأ أنواع التمر.
(7) أنضره: أي صيره وجعله ناضراً.
(8) يقال: دهديت الحجر ودهدهته: أي دحرجته وقذفته من أعلى إلى أسفل وهو تصوير لقوة السيل حتى جرف معه الحجر.
(9) البيان والتبيين 1/ 287.
ـ[محمد سعد]ــــــــ[18 - 06 - 2008, 11:01 ص]ـ
قيل لآخر: وصلَّى ركعتين فأطال فيهما، وقد كان الأمير أمر بقتله: جزعت من الموت؟ فقال: إن أجزع فقد أرى كفنا منشورا، وسيفا مشهورا، قبرا محفورا"
البيان والتبيين 1/ 286