من حديث: (لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعْ .......... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 05 - 2008, 06:39 ص]ـ
من حديث حفصة رضي الله عنها: (لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ):
صيام: نكرة في سياق النفي فتفيد عموم النفي، والنفي إنما ينصب ابتداء على الحقيقة، فإن تعذر حمله على الحقيقة صير إلى أقرب المجازين: الصحة أو الكمال، فالمعنى دائر بين:
لا صيام: بمعنى نفي وقوعه، وهذا مخالف للواقع، فإن الصيام قد يقع بلا نية كمن يصوم حمية.
و: لا صيام صحيحا: حملا على أقرب المجازين.
و: لا صيام كاملا: حملا على أبعدهما.
فترجح من بينها المعنى الثاني: لتعذر حمل الكلام على الحقيقة كما تقدم.
ومثله:
دلالة الاقتضاء في حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، فتقدير الكلام: إنما صحة الأعمال، ولا يقال كمالها، لأن حمل الكلام على أقرب المجازين أولى عند تعذر حمله على الحقيقة، وقد تعذر حمله على الحقيقة في هذا السياق، من جهة أن كثيرا من الأعمال يقع بلا نية، فجل أفعال المكلف من قسم: المباح، والمباح لا يحتاج إلى نية، إلا إذا قصد المكلف الثواب فيكون ذلك لأمر خارج عنه، فأقرب المجازين في هذا السياق أيضا: الصحة، لا الكمال.
ومثله حديث: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)، فالراجح نفي الصحة، أقرب المجازين، لتعذر حمله على الحقيقة، فيكون التقدير: لا صلاة صحيحة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، بخلاف الأحناف، رحمهم الله، الذين حملوا النفي على الكمال، أبعد المجازين، فتصح الصلاة عندهم، إن قرأ ما تيسر من القرآن، عملا بقوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ)، وإن لم يقرأ الفاتحة معه.
ومثله أيضا: حديث: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، فقد تعذر حمل الكلام على الحقيقة، وإلا لزم الحكم على الزاني بانتفاء أصل الإيمان، وهذا معارض بآية الجلد وحديث الرجم، فلو كان المنفي: أصل الإيمان لوجب قتله ردة، فدار الكلام بين: نفي الكمال الواجب ونفي الكمال المستحب، فترجح حمله على أقرب المجازين، الكمال الواجب، فيكون الزاني: مؤمنا باعتبار أصل الإيمان في قلبه، فاسقا بكبيرته، فيلحقه الوعيد من جهة انتفاء الكمال الواجب، ولو حمل الكلام على المجاز البعيد، الكمال المستحب، لما لحقه ذم أصلا، لأن انتفاء كمال الإيمان المستحب يكون بترك مسنون، أو فعل مكروه، وكلاهما، وإن قدح في مروءة فاعله إن داوم عليه إلا أنه لا يلحق به ذما، فالذم لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم.
لِمَنْ: موصول يفيد العموم بصيغته فالحكم عام في حق كل المكلفين.
الصِّيَامَ: "أل" إما أن تكون:
جنسية تفيد الاستغراق: فتفيد عموم الصيام سواء أكان فرضا أم نفلا، فيجب تبييت النية لأي صوم، ولو كان نفلا، وهذا اختيار مالك وداود الظاهري، رحمهما الله، كما أشار إلى ذلك صاحب "المغني" رحمه الله.
وعضد بعض أهل العلم هذا القول بحديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهَا فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَقُلْتُ لَا قَالَ إِنِّي صَائِمٌ ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَدَعَا بِهِ فَقَالَ أَمَا إِنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ.
وهذه رواية النسائي رحمه الله.
فيكون صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أصبح مبيتا الصيام من الليل.
وإما أن تكون:
"عهدية": أي: من لم يبيت الصيام المعهود، وهو صيام الفرض سواء أكان من رمضان أم من غيره فلا صيام له، وهذا اختيار الجمهور، وقد رجحه صاحب المغني رحمه الله.
وعضده بعض أهل العلم برواية مسلم، رحمه الله، لحديث عائشة، رضي الله عنها، السابق، وفيها: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ.
فـ: "إذن" ظرف للزمان الحاضر، كما أشار إلى ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع"، أي أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينشئ نية الصيام إلا بعد أن لم يجد الطعام، فلم يبيتها من الليل كما رجح مالك رحمه الله.
والله أعلى وأعلم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[هيثم محمد]ــــــــ[12 - 05 - 2008, 07:39 ص]ـ
بوركت أناملك أيها المهاجر