تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتابعهم السيوطي قائلاً: " وعلى هذا فحدّ الجملة: القول المركّب، كما أفصح شيخنا العلاّمة الكافيچي، لكنه قد عدل عن هذا واختار (الترادف). قال: لاَنّا نعلم بالضرورة أنّ كلّ مركّب لا يطلق عليه الجملة، وسبقه إلى اختيار ذلك ناظر الجيش وقال: إنّه الذي يقتضيه كلام النحاة، قال: وأمّا إطلاق الجملة على ما ذكر من الواقعة شرطاً أو جواباً أو صلة، فإطلاقٌ مجازيّ؛ لاَنّ كلاًّ منها كان جملة قبل، فأُطلقت الجملة عليه باعتبار ما كان، كإطلاق اليتامى على البالغين؛ نظراً إلى أنّهم كانوا كذلك " ().

وعليه فالجملة في خالص أمرها هي كل كلام يحسن السكوت عليه، أي تحصل منه الفائدة، ويدلّ على معنى. وعليه فإن جملة الصلة، وجملة الشرط، وجملة الجواب، كل ذلك ليس مفيداً لعدم تمام الفائدة منه ().

فالجملة تتشكل وفق مفهوم الإسناد المفيد لمعنى، فإذا تم بالمسند والمسند إليه تمت الجملة، وقد يستدعي أحدهما أو كلاهما كلاماً آخر لإتمام المعنى، يقال له الفضلة، وربما يحتاج ذلك كله إلى أدوات تسمى أدوات الربط. ولهذا فالكلام هو القول المفيد بالقصد. والمراد بالمفيد ما دل على معنىً يحسن السكوت عليه. فإذا لم يُفِد معنىً تاماً مكتفياً بنفسه فلا يسمى كلاماً.

والجملة كما قال د. إبراهيم أنيس: " أقل قدر من الكلام يفيد السامع معنىً مستقلاً بنفسه؛ سواء تركب هذا القدر من كلمة واحدة أو أكثر " (). وإلا فلا تسمى جملة مفيدة ولا ينطبق عليها تعريف الكلام. ونلحظ في بناء الجملة تقدم الذات الفاعلة على أنها (المسند إليه) دائماً؛ والذات أبداً تأتي اسماً ثابتاً في حين أنّ الفعل متغير؛ بمعنى أن الذات سبقت الحدث في الوجود. ولهذا قُدِّمت الجملة المسبوقة بالاسم على الجملة المسبوقة بالفعل عند البلاغيين، وأهل اللغة في إطار المسند والمسند إليه، ولا عبرة للفضلة في تقسيمها، أو لأدوات الربط بينها وبينهما.

والجملة إما أن تكون جملة اسمية أو جملة فعلية؛ في حين قسمها ابن هشام باعتبار صدرها إلى ثلاثة أقسام؛ فما صدرها اسم هي جملة اسمية، وما صدرها فِعْل هي جملة فعلية؛ وما صدرها ظرف هي جملة ظرفية (). وزاد الزمخشري الجملة الشرطية (). واستنكر ابن هشام الجملة الشرطية وردَّها إلى الفعلية؛ وذلك تبعاً لتقدير المعنى في الكلام (). فإن قولنا: أعندك زيدٌ؟ وقدرنا الكلام (بكائن أو مستقر)، فالجملة اسمية؛ ويعرب زيد (مبتدأ)؛ وإن قدرناه فاعلاً لفعل محذوف تقديره (استقر) فالجملة فعلية. ويقاس على ذلك كل كلام يحتاج إلى تقدير سواء صُدِّر بظرف أم غيره.

أما الفضلة فهي اسم يذكر لتتميم معنى الجملة (المكونة من المسند والمسند إليه) إذا لم يتم بهما معنى مفيد. وقد يلزم التركيب وجود أدواتٍ تربط أجزاء الجملة كالشرط والقسم والاستفهام والتمني والترجي. وتقع الأدوات حرفاً واسماً، وتسمى أدوات الربط.

وبناء على ذلك كله تنقسم الجملة إلى قسمين: (الاسمية والفعلية)، باعتبار ركنيها فقط؛ وسنوضح ذلك في إطار مفهوم البلاغة لا النحْو:

أ ـ الجملة الاسمية:

هي كل جملة تصدَّرت باسم، ووضعت لإفادة ثبوت المسند للمسند إليه؛ أو استمراره بالقرائن الدالة عليه؛ أو الثبوت أو الاستمرار معاً. ولها عدة أشكال تتوارد عليها منها: المبتدأ والخبر؛ والاسم والخبر مع إن وأخواتها، ولا النافية للجنس، واسم الفعل ().

والأصل في الخبر أن يأتي نكرة مشتقة في ذلك كله، وقد يأتي جامداً؛ نحو: (هذا حَجَرٌ). وكذلك الأصل في الجملة الاسمية أن تدل على الثبات ودوامه كقولنا: (الشمسُ مضيئةُ)، أو كقولنا: (الماءُ تجمُّدُهُ في درجة الصفر). فالمبتدأ مسند إليه لأنه لم يسبقه عامل، وهو الشمس، والخبر أسند إليه (مضيئة)، وتمت به الفائدة. والإضاءة ثابتة لها على الدوام والاستمرار في الفعل؛ وكذا التجمد. فالجملة الاسمية تفيد الاستمرار بالقرائن إذا لم يكن في خبرها فعل؛ نحو: (العلمُ نافعٌ)، فالعلم نفعه مستمر - هذا هو الأصل فيه- والسياق لا ينكره كما أن المنطق والعقل لا ينكره. وعليه قوله تعالى في وصف رسول الله ?: ? وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ? (). فهذه الصفة من الخُلُق الكَريم مقترنة على الدوام بذكر رسول الله؛ ومدعاة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير