تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالمعنى المستفاد من هذا التعريف هو الدلالة على مطلق الحياة المحروص عليها دون تحديد لماهيتها أو كنهها، أي إنها بهذا الوصف ضاربة في الهوان والتحقير.

* ومن ذلك قراءة كلمة (الحقّ) () بالتعريف والتنكير في قوله تعالى: ? وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ? ().

فالكلمة على قراءة الجمهور نكرة منونة مسبوقة بهمزة الاستفهام، وعلى قراءة الأعمش هي معرفة مسبوقة بهمزة الاستفهام. ويرى ابن جني أن فائدة تنكير الكلمة أو تعريفها تتساوى، وذلك لأن " الأجناس تتساوى فائدتا معرفتها ونكرتها في نحو هذا، وتقول: ثِِقْ بأمانِ الله، وثِِقْ بالأمان من الله، وهذا الحقّ، وهذا حقٌّ، وهذا صِدق، وهذا الصدق. ومنه قولهم: خرجتُ فإذا بالباب أسد، وإذا بالباب الأسد، المعنى واحد، ووضع اللفظ مختلف، وسبب ذلك كون الموضع جنساً " ().

فالكلمة دالة على جنس هو (الحقّ)، ولذا تساوت الفائدة المرجوة من تعريفه أو تنكيره عند ابن جني.

ويجعل الزمخشري مناط الأمر في توجيه دلالة الاستفهام في الآية، فيجعله محوراً ارتكازياً للمعنى، يرتبط في تشابكه النصي مع تعريف الكلمة أو تنكيرها. فهو يرى أن الاستفهام " على جهة الإنكار والاستهزاء. وقرأ الأعمش: آلحق هو. وهو أدخل في الاستهزاء لتضمنه معنى التعريض بأنه باطل، وذلك أن اللام للجنس، فكأنه قيل: أهو الحق لا الباطل؟ أو هو الذي سَمّيْتُمُوه الحق " ().

ويرى بعض الباحثين المحدثين أم معنى التعريض الذي أشار إليه الزمخشري هو محور الدلالة النصية في الآية إذ تضافر على " إبراز معنى التعريض بكون ما أخبر به ? في زعمهم باطلاً، ذلك التقدير الإعرابي الذي ارتآه الزمخشري، إذ جعل (الحق) خبراً مقدّماً، فأفاد قصر المسند على المسند إليه، وفي ذلك خلاف بين البلاغيين. لكن الحق الذي نعتقده هو أنّ قراءة الجمهور تحتمل هذا المعنى بلا أدنى تمحّل، إذا قدّرنا (هو) مبتدأ، و (حقّ) خبره مقدّماً، فضلاً عن كونه جنساً يستوي تعريفه وتنكيره " ().

وعلى هذا فإن القراءتين تحتملان دلالات التعريف و التنكير في سياق الآية، وتتضافران معاً مع سياق الاستفهام فيها بما يخدم هذه الدلالات.

* ومن ذلك أيضاً قراءة كلمة (زينة) () بالتعريف والتنكير في قوله تعالى: ? إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ? (). ويمكننا تفصيل القراءات في هذه الكلمة على النحو التالي:

الأولى: تنوين كلمة (زينة)، وجرّ كلمة (الكواكب) على البداية. وهي قراءة حمزة وحفص عن عاصم.

والثانية: تنوين كلمة (زينة)، ونصب كلمة (الكواكب) على المفعولية بتقدير فعل. وهي قراءة أبو بكر عن عاصم.

والثالثة: قراءتها على الإضافة (زينة الكواكب)، وهي قراءة أغلب القراء.

وعلى هذا فإنّ القراءتين الأولى والثانية تدخل ضمن فنية (التنكير) لإبراز قيمة هذه الزينة وجمالها في سياق الآية. أما القراءة الثالثة فهي منعقدة على معاضدة فنية التعريف بالإضافة المستفادة من إبهام كلمة (زينة) ثم إيضاحها بالمضاف إليه كلمة (الكواكب)، وتحديد شكل هذه الزينة في هذا النوع فقط دون غيره، فتقع كلمة (الكواكب) بياناًًًًًًَ لهذا الإبهام في كلمة (زينة) ().

كما أنّ الجمالية المتوخاة من التعريف والتنكير لهذه المفردة تدور في فلك التعظيم لهذه الزينة حين تنكيرها ثم تعقيبها بما يبيّن فحواها. وكذلك على دلالة الإيضاح لما سبق إبهامه وذلك بالإضافة البيانية لهذه المفردة. وكلا التخريجين يتسقان مع سياق الآية، وتوجهات الدلالة فيها.

ويطّرد بنا الأمر لو حاولنا استقراء كلّ ما عنّ في القراءات القرآنية من تلوينات بالتعريف والتنكير، لكن يجدر بنا أن نؤكد على أن هذه القراءات القرآنية المتواترة بما تحمله من فنيات تلوينية بالتعريف والتنكير إنما تتكئ في محتواها على خطاب السياق، ومحددات الدلالة القرآنية في هذا السياق، وهذا ما نلمحه حين التوجيه البلاغي لهذه الفنيات التلوينية في هذه القراءات.

الهوامش:

1. - د. صلاح الخالدي، إعجاز القرآن البياني، 230.

2. - قرأها الجمهور نكرة منونة، وقرأها أبي بن كعب بالألف واللام. ينظر: أبو حيان، البحر المحيط، 1/ 313.

3. - سورة البقرة: آية رقم (96).

4. - الزمخشري، الكشاف، 1/ 168.

5. - أبو حيان، البحر المحيط، 1/ 313.

6. - ابن النقيب، مقدمة التفسير، 143.

7. - ينظر: الشهاب الخفاجي، حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، دار صادر، بيروت، 1987، 2/ 209. – الشوكاني، فتح القدير، 1/ 115.

8. - عبد القاهر، دلائل الإعجاز، 289.

9. - قرأها الجمهور نكرة منونة، وقرأها الأعمش معرّفة بالألف واللام. ينظر: ابن جني، المحتسب، 1/ 312. – أبو حيان، البحر المحيط، 5/ 168.

10. - سورة يونس: آية رقم (53).

11. - ابن جني، المحتسب، 1/ 312، 313.

12. - الزمخشري، الكشاف، 2/ 352.

13. - د. أحمد سعد، التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية، مكتبة الآداب، القاهرة، ط2، 2000، 144.

14. - قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي بالتعريف بالإضافة، وقرأها حمزة وحفص عن عاصم بتنوين كلمة (زينة) وجرّ كلمة (الكواكب). ينظر: ابن مجاهد، السبعة، 546. مكي، مشكل إعراب القرآن، 3/ 238. – ابن الجزري، النشر، 2/ 356. – الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر، 2/ 407.

15. - سورة الصافات: آية رقم (6).

16. - ينظر: الزمخشري، الكشاف، 4/ 34. – أبو السعود، إرشاد ذوي العقل السليم، 4/ 527. أبو حيان، البحر، 7/ 352.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير