التوكيد بـ: "إن"، واللام في: "لتهدي" فقد دخلت على المضارع لمضارعته الاسم في الإعراب، واسمية الجملة التي تدل على الثبوت والاستمرار، فأصلها قبل دخول "إن": وأنت تهدي إلى صراط مستقيم، وفيها، أيضا، التوكيد بالفاعل المعنوي: ففاعل: "تهدي": ضمير مستتر عائد على اسم "إن": كاف المخاطب، فتقدير الكلام: وإنك لتهدي أنت إلى صراط مستقيم، فتأكد الفاعل بوروده مرتين:
مرة مستترا في عامله: "تهدي"، ومرة مذكورا، وإن كان في الإعراب: مبتدأ، فلا يخلو المبتدأ في مثل هذا التركيب من معنى الفاعلية، فهو: مبتدأ في اللفظ، فاعل في المعنى.
وقوله تعالى: (صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ):
تفصيل بعد إجمال، فالبدل: (صِرَاطِ اللَّهِ): هو المقصود أصالة بالحكم، فكان المبدل منه: (صراط مستقيم): موطئا له، فهو على نية الطرح كما قرر النحاة، فكأنه ذكر ابتداء لاسترعاء انتباه السامع ليتساءل: ما الصراط المستقيم؟، فيأتيه الجواب مباشرة في صدر الآية التالية: صراط الله، وفي هذا من التشويق ما فيه.
الذي له ما في السماوات وما في الأرض:
في استعمال الموصول: "الذي"، أيضا، إجمال للتشويق، فما زال السؤال ملحا، عن الله، عز وجل، الذي ضمن الهداية لمن سار على صراطه، فأتت جملة الصلة: "له ما في السماوات": لتبين هذا الإجمال، بعد اشتياق السامع إلى بيانه، فكان الموصول موطئا هو الآخر، لما بعده، وجاءت جملة الصلة مؤكدة لربوبية الله، عز وجل بـ:
تقديم الجار والمجرور: "له": وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والتوكيد كما قرر البلاغيون، فله وحده، جل وعلا، لا لغيره، ما في السماوات والأرض.
وعموم "ما": التي تشمل، في هذا الموضع، كل الكائنات: عاقلة كانت أو غير عاقلة.
وعموم "أل" الجنسية الاستغراقية في: "السماوات" و "الأرض"، فهي تفيد: استغراق عموم ما دخلت عليه، فله كل ما في الكون، مِلْكاً ومُلْكاً، فاللام تفيد: الملكية والاستحقاق، فهو مالك رقاب الخلائق، المتصرف فيها كيف شاء، فله تمام الاستحقاق: كونا وشرعا، فمن تفضل بالخلق ابتداء، ثم هدى ورزق انتهاء، أفلا يكون مستحقا لتمام الألوهية فرعا على تمام ربوبيته؟!، وهذا أمر مطرد في آي الكتاب، فأخبار الربوبية متبوعة بأوامر الألوهية، إذ الثانية لازم الأولى، والأولى ملزومة الثانية.
وفي التنزيل:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فالتقوى في: "لعلكم تتقون" فرع على الخلق في: "الَّذِي خَلَقَكُمْ"، والتقوى من الألوهية والخلق من الربوبية، وهو أمر لا يتسع المقام لسرد أمثلته، وإن كان جديرا بالتتبع والتأمل.
وفي قوله تعالى: (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ):
تنبيه بـ: "ألا" الاستفتاحية لاسترعاء انتباه السامع إن كان غافلا، ومن ثم أكد ما بعدها بتقديم ما حقه التأخير: "إلى الله"، و"أل" في "الأمور": جنسية استغراقية هي الأخرى، فإلى الله، عز وجل، وحده تصير كل الأمور، وفق قضائه الكوني الذي لا راد له.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 05:42 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 10:04 م]ـ
" فمن تفضل بالخلق ابتداء، ثم هدى ورزق انتهاء، أفلا يكون مستحقا لتمام الألوهية فرعا على تمام ربوبيته؟! "
بلى والله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 08:39 ص]ـ
جزاكما الله خيرا أيها الكريمان على المرور والتعليق.