تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه: نهي يفيد التحريم، فلا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، وقد تسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل: "تقنطوا"، فأفاد عموم النهي عن القنوط بكل صوره.

إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا: بيان لعلة النهي المتقدم، فكأن المخاطب سأل مستفهما، ولم لا أقنط، وقد ارتكبت من الذنوب ما ارتكبت؟!!، فجاء الجواب: لأن ربك يغفرالذنوب جميعا.

وقد أكدت العلة بعدة مؤكدات منها:

"إن"، و: اسمية الجملة: الله يغفر الذنوب، و الفاعل المعنوي فغافر الذنب قد ورد التصريح باسمه العلم الظاهر في صدر الجملة: لفظ الجلالة "الله" ابتداء، وجاء مضمرا في جملة الخبر "يغفر" انتهاء، فَكُرِرَ مرتين وفي ذلك من التوكيد ما لا يخفى.

و "أل" في "الذنوب": جنسية استغراقية تفيد استغراق عموم ما دخلت عليه، وفي ذلك من البشرى للعصاة ما فيه، وقد أكد هذا العموم بلفظ "جميعا".

فكل ذنب، حتى الشرك الأكبر، يغفره الله، عز وجل، لصاحبه، طالما تاب وأناب قبل الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها آخر الزمان، وبذلك يزول التعارض المتوهم بين هذه الآية التي هي نص في عموم المغفرة، وآية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)، فإن هذه في حق من مات على الشرك، فهو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله، عز وجل، لأنه أعظم الظلم وأفحشه، بخلاف بقية الذنوب، فإن الله، عز وجل، يغفرها لمن يشاء، وإن مات مصرا عليها، فالعاصي إن خرج من الدنيا بلا توبة صار تحت مشيئة الله، جل وعلا، إن شاء غفر بفضله، وإن شاء عذب بعدله، كما تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة الذين يثبتون الوعيد مطلقا فكل عاص عندهم إن لم يتب معذب، والمرجئة الذين ينفونه مطلقا فكل عاص عندهم ناج وإن لم يتب، والحق وسط بينهما.

إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم: توكيد لما تقدم، فهو الغفور الذي يستر العيب، الرحيم: الذي تصل رحمته إلى كل تائب، وناسب سياق الرجاء الذي وردت فيه هذه الآية أن تأتي هذه الصفات في صيغ مبالغة محلاة بـ: "أل" الجنسية التي تفيد استغراق معاني المغفرة والرحمة، فهو استغراق معنوي، وناسب السياق أن يذكر "الرحيم" دون "الرحمن"، لأن رحمة الرحيم: رحمة خاصة لا يُلَقَاها إلا التائبون، بخلاف رحمة "الرحمن": فهي رحمة عامة تصل إلى البر والفاجر، فلا اختصاص لأهل الإيمان بها.

وأكد ذلك أيضا بـ: "إن"، واسمية الجملة، فأصلها قبل دخول "إن" على ضمير الغائب: هو الغفور، وتعريف جزأي الجملة المبتدأ: هو، والخبر: الغفور، ومجيء ضمير الفصل: "هو"، بعد نسخ حكم المبتدأ باتصاله بالناسخ الحرفي "إن".

وبعد: أفيقنط العصاة بعد كل ما تقدم؟!!!.

والله أعلى وأعلم.

ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 06:10 م]ـ

رائع أخي مهاجرًا. ما شاء الله تبارك الله!

واسمح لي بمداخلة من فضلك:

لقد أوقفني الجار والمجرور في الآية التي ذكرت - مشكورًا موفورًا - (على أنفسهم).

فهذه المعصية، وهذا الإصرار، وهذه الذنوب لا تضر الله شيئًا، وإنما الذنوب والمعاصي على الإنسان نفسه (إنما بغيكم على أنفسكم).

فسبحان الله العظيم.

(لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على قلب أفجر رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا).

جزاك الله خيرًا مهاجرُ الحبيب.

ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 02:47 م]ـ

سلمك الله

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 08 - 2008, 07:41 ص]ـ

جزاكما الله خيرا وسلمكما أيها الكريمان على المرور والتعليق والدعاء، وجعل لكما منه أوفر نصيب.

وملحظ دقيق أشار إليه أخي الأستاذ: عبد العزيز، فلن نبلغ نفع الله، عز وجل، فننفعه، ولن نبلغ ضره فنضره.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير