تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام: والمقصود هنا أن الذين أثبتوا حدوث العالم بحدوث الجسم كما تقدم قالوا فإذا كان الدليل على حدوث المحدثات إنما هو قيام الصفات والأفعال بها فكل ما قامت به فهو حادث وإلا انتقض الدليل على حدوث العالم وإثبات الصانع

قالوا فيجب أن يكون كلامه حادثا بعد أن لم يكن ويصير متكلما بعد أن لم يكن كما أنه صار فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا وفعله حادث.

قالوا: وكل ما قامت به الحوادث فهو حادث كما تقدم فيلزم أن لا يقوم به كلام ولا فعل ولا صفة فقالوا كلامه مخلوق في غيره ولا يقوم به علم ولا قدرة ولا حياة ولا غير ذلك من الصفات لأنه لو قام به ذلك لكان عرضا قائما بالجسم والجسم محدث قالوا وليس هو فوق العالم ولا مباين للعالم ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل من عنده شيء ولا يرى لأنه لو كان كذلك لكان جسما والجسم محدث.

فلما أظهروا هذا القول شاع في الأمة إنكار ذلك وقالوا هذا تعطيل للخالق وجحود لصفاته.

الصفدية (2

54)

وقال: ثم استدلوا على حدوث الأعراض قالوا فثبت أن الأجسام مستلزمة للحوادث لا تخلو عنها فلا تكون مثلها ثم كثير منهم قالوا وما لم يخل من الحوادث أو ما لم يسبق الحوادث فهو حادث , وظن أن هذه مقدمة بديهية معلومة بالضرورة لا يطلب عليها دليل وكان ذلك بسبب أن لفظ الحوادث يشعر بان لها ابتداء كالحادث المعين والحوادث المحدودة ولو قدرت ألف ألف ألف حادث؛ فإن الحوادث إذا جعلت مقدرة محدودة فلا بد أن يكون لها ابتداء فإن مالا ابتداء له ليس له حد معين ابتدأ منه إذ قد قيل لا ابتداء له بل هو قديم أزلي دائم , ومعلوم أن هذه الحوادث مالم يسبقها فهو حادث فإنه يكون إما معها وإما بعدها وكثير منهم يفطن للفرق بين جنس الحوادث وبين الحوادث المحدودة فالجنس مثل أن يقال ما زالت الحوادث توجد شيئا بعد شيء أو ما زال جنسها موجودا أو ما زال الله متكلما إذا شاء أو ما زال الله فاعلا لما يشاء أو ما زال قادرا على أن يفعل قدرة يمكن معها اقتران المقدور بالقدرة لا تكون قدرة يمتنع معها المقدور فان هذه في الحقيقة ليست قدرة ومثل أن يقال في المستقبل لا بد أن الله يخلق شيئا بعد شيء ونعيم أهل الجنة دائم لا يزول ولا ينفد وقد يقال في النوعين كلمات الله لا تنفذ ولا نهاية لها لا في الماضي ولا في المستقبل ونحو ذلك فالكلام في دوام الجنس وبقائه وأنه لا ينفد ولا ينقضي ولا يزول ولا ابتداء له غير الكلام فيما يقدر محدودا له ابتداء أوله ابتداء وانتهاء؛ فإن كثيرا من النظار من يقول جنس الحوادث إذا قدر له ابتداء وجب أن يكون له انتهاء لأنه يمكن فرض تقدمه على ذلك الحد فيكون أكثر مما وجد ومالا يتناهى لا يدخله التفاضل فإنه ليس وراء عدم النهاية شيء أكثر منها بخلاف مالا ابتداء له ولا انتهاء فإن هذا لا يكون شيء فوقه فلا يفضي الى التفاضل فيما لا يتناهى.

النبوات (42)

قال ابن رشد: وأما المقدمة الثالثة، وهي القائلة: إن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، فهي مقدمة مشتركة الاسم. وذلك أنه يمكن أن تفهم على معنيين، أحدهما: ما لا يخلو من جنس الحوادث ويخلوا من آحادِها. والمعنى الثاني: ما لا يخلو عن هذا السواد المشار إليه.

فأما هذا المفهوم الثاني فهو صادق. أعني: ما لا يخلو عن عرض ما مشار إليه، وذلك العرض حادث، أنه يجب ضرورة أن يكون الموضوع له حادثاً. لأنه إن كان قديماً فقد خلا من ذلك العرض، وقد كنا فرضناه لا يخلو هذا خُلف لا يمكن.

وأما المفهوم الأول، وهو الذي يريدونه، فليس يلزم عنه حدوث المحل، أعني: الذي لا يخلو من جنس الحوادث. لأنه يمكن أن يتصور المحل الواحد، أعني الجسم، تتعاقب عليه أعراض غير متناهية، إما متضادة وإما غير متضادة. كأنك قلت: حركات لا نهاية لها، كما يرى ذلك كثير من القدماء في العالم أنه يتكون: واحد بعد آخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير