تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويشبه أن يكون ما يعرض للإنسان، في أول الأمر عند النظر في هذه الأشياء، شبيهاً بما يعرض لمن ينظر في أجزاء المصنوعات، من غير أن يكون من أهل تلك الصنائع. وذلك أن الذي هذا شأنه قد سبق إلى ظنه أن كل ما في تلك المصنوعات أو جُلِّها ممكن أن يكون بخلاف ما هو عليه، ويوجد عن ذلك المصنوع ذلك الفعل بعينه الذي صُنع من أجله، أعني غايته، فلا يكون في ذلك المصنوع، عند هذا، موضع حكمة.

وأما الصانع، والذي يشارك الصانع في شيء من عِلم ذلك، فقد يرى أن الأمر بِضِد ذلك، وأنه ليس في المصنوع إلا شيء واجب ضروري، أو ليكون به المصنوع أتم وأفضل، إن لم يكن ضرورياً فيه، وهذا هو معنى الصناعة، والظاهر أن المخلوقات شبيهة في هذا المعنى بالمصنوع، فسبحان الخالق العليم.

فهذه المقدمة من جهة أنها خطابية قد تصلح لإقناع الجميع، ومن جهة أنها كاذبة ومبطلة لحكمة الصانع، فليست تصلح لهم.

الكشف عن مناهج الأدلة (36 - 37)

وقول أبي المعالي أن العالم، بجميع ما فيه، جائز أن يكون على مقابل ما هو عليه؛ إذا كان يستلزم منه نفي الحكمة لله تعالى فهو باطل.

قال شيخ الإسلام: مضمون هذا الكلام إثبات ما في الموجودات من الحكمة والغاية المناسبة

لاختصاص كل منها بما خص به وأن ارتباط بعض الأمور ببعض قد يكون شرطا في الوجود وقد يكون شرطا في الكمال وبإثبات هذا أخذ يطعن في حجة أبي المعالي وأمثاله ممن لايثبت إلا مجرد المشيئة المحضة التي تخصص كلا من المخلوقات بصفته وقدره

فإن هذا قول من أهل الكلام كالأشعرية والظاهرية وطائفة من الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة وأما الجمهور من المسلمين وغيرهم فإنهم - مع أنهم يثبتون مشيئة الله وإرادته - يثبتون أيضا حكمته ورحمته وهؤلاء المتفلسفة أنكروا على الأشعرية نفي الحكمة الغائية وهم يلزمهم من التناقص ما هو أعظم من ذلك فإنهم إذا أثبتوا الحكمة الغائية كما هو قول جمهور المسلمين فإنه يلزمهم أن يثبتوا المشيئة بطريق الأولى والأحرى فإن من فعل المفعول لغاية يريدها كان مريدا للمفعول بطريق الأولى والأحرى فإذا كانوا مع هذا ينكرون الفاعل المختار ويقولون: إنه علة موجبة للمعلول بلا إردة كان هذا في غاية التناقص ما هو أعظم من ذلك فإنهم إذا أثبتوا الحكمة الغائية كما هو قول جمهور المسلمين فإنه يلزمهم أن يثبتوا المشيئة بطريق الأولى والأحرى فإن من فعل المفعول لغاية يريدها كان مريدا للمفعول بطريق الأولى والأحرى فإذا كانوا مع هذا ينكرون الفاعل المختار ويقولون: إنه على موجبة للمعلول بلا إرادة كان هذا في غاية التناقص ومن سلك طريقة أبي المعالي في هذا الدليل لايحتاج إلى أن ينفي الحكمة بل يمكنه إذا أثبت الحكمة المرادة أن يثبت الإرادة بطريق الأولى

وحينئذ فالعالم بما فيه من تخصيصه ببعض الوجوه دون بعض دال على مشيئة فاعله وعلى حكمته أيضا ورحمته المتضمنة لنفعه وإحسانه إلى خلقه

وإذا كان كذلك فقولنا: إن ما سوى هذا الوجه جائز يراد به أنه جائز ممكن من نفسه وأن الرب قادر على غير هذا الوجه كما هو قادر عليه وذلك لا ينافي أن تكون المشيئة والحكمة خصصت بعض الممكنات المقدرات دون بعض.

درء التعارض (5

20)

المسألة العاشرة: تجدد الصفة (إثبات الصفات الاختيارية)

قال ابن رشد: وهذه الصفة هي صفة قديمة, إذا كان لا يجوز عليه سبحانه أن يتصف بها وقتا ما, لكن ليس ينبغي أن يتعمق في هذا فيقال ما يقوله المتكلمون: إنه يعلم المحدث في وقت حدوثه بعلم قديم فإنه يلزم عن هذا أن يكون العلم المحدث, في وقت عدمه وفي وقت وجوده, علما واحدا, وهذا أمر غير معقول: إذ كان العلم واجبا أن يكون تابعا للموجود. ولما كان الموجود. تارة يوجد فعلا, وتارة يوجد قوة, وجب أن يكون العلم بالموجودين مختلفا, إذ كان وقت وجوده بالقوة غير وقت وجوده بالفعل.

وهذا شيء لم يصرح به الشرع, بل الذي صرح به خلافه, وهو أنه يعلم المحدثات حين حدوثها, كما قال تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمت الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتب مبين}

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير