تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

له فعل يخصه فهنا أفعال خاصة صادرة عن طبائع خاصة. وإن لم يكن له فعل يخصه واحد، فالواحد ليس بواحد. وإذا ارتفعت طبيعة الواحد ارتفعت طبيعة الموجود، وإذا ارتفعت طبيعة الموجود لزم العدم. وأما هل الأفعال الصادرة عن موجود ضرورية الفعل فيما شأنه أن يفعل فيه، أو هي أكثرية، أو فيها الأمران جميعاً، فمطلوب يستحق الفحص عنه. فإن الفعل والانفعال الواحد بين كل شيئين من الموجودات إنما يقع بإضافة ما من الإضافات التي لا تتناهى. فقد تكون إضافة تابعة لإضافة ولذلك لا يقطع على أن النار إذا دنت من جسم حساس فعلت. ولا بد لأنه لا يبعد أن يكون هنالك موجود يوجد له إلى الجسم الحساس إضافة تعوق تلك الإضافة الفاعلة للنار، مثل ما يقال في حجر الطلق وغيره. لكن هذا ليس يوجب سلب النار صفة الإحراق ما دام باقياً لها اسم النار وحدها. وأما أن الموجودات المحدثة لها أربعة أسباب: فاعل ومادة وصورة وغاية، فذلك شيء معروف بنفسه. وكذلك كونها ضرورية في وجود المسببات، وبخاصته التي هي جزء من الشيء المسبب، أعني: التي سموها قوم مادة، وقوم شرطاً ومحلاً، والتي يسميها قوم صورة، وقوم صفة نفسية. والمتكلمون يعترفون بأن ههنا شروطاً هي ضرورية في حق المشروط، مثل ما يقولون: إن الحياة شرط في العلم. وكذلك يعترفون بأن للأشياء حقائق وحدود، وأنها ضرورية في وجود الموجود. ولذلك يطردون الحكم في ذلك الشاهد والغائب على مثال واحد. وكذلك يفعلون في اللواحق اللازمة لجوهر الشيء، وهو الذي يسمونه الدليل، مثل ما يقولون: إن الإتقان في الموجود يدل على كون الفاعل عاقلاً، وكون الموجود مقصوداً به غاية ما، يد على أن الفاعل له عالم ب والعقل ليس هو شيء أكثر من إدراكه الموجودات بأسبابها، وبه يفترق من سائر القوى المدركة. فمن رفع الأسباب فقد رفع العقل. وصناعة المنطق تضع وضعاً أن ههنا أسباباً ومسببات، وأن المعرفة بتلك المسببات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها. فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورفع له. فإنه يلزم ألا يكون ههنا شيء معلوم أصلاً علماً حقيقياً، بل إن كان فمظنون، ولا يكون ههنا برهان ولا حد أصلاً، وترتفع أصناف المحمولات الذاتية التي منها تأتلف البراهين؛ ومن يضع أنه ولا علم واحد ضروري، يلزمه ألا يكون قوله هذا ضرورياً. وأما من يسلم أن ههنا أشياء بهذه الصفة، وأشياء ليست ضرورية وتحكم النفس عليها حكماً ظنياً، وتوهم أنها ضرورية وليست ضرورية، فلا ينكر الفلاسفة ذلك. فإن سموا مثل هذا عادة جاز، وإلا فما أدرى ما يريدون باسم العادة؟ هل يريدون أنها عادة الفاعل، أو عادة الموجودات، أو عادتنا عند الحكم على هذه الموجودات، ومحال أن يكون لله تعالى عادة، فإن العادة ملكة يكتسبها الفاعل، توجب تكرر الفعل منه على الأكثر، والله عز وجل يقول: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْديلاً (62)} {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (43)}. وإن أرادوا أنه عادة للموجودات، فالعادة لا تكون إلا لذي نفس. وإن كانت في غير ذي نفس، فهي في الحقيقة طبيعة، وهذا غير ممكن، أعني: أن يكون للموجودات طبيعة تقتضي الشيء إما ضرورياً، وإما أكثرياً. وإما أن تكون عادة لنا في الحكم على الموجودات. فإن هذه العادة ليست شيئاً أكثر من فعل العقل الذي يقتضيه طبع، وبه صار العقل عقلاً. وليس تنكر الفلاسفة مثل هذه العادة، فهو لفظ مموه إذا حقق لم يكن تحته معنى، إلا أنه فعل وضعي، مثل ما نقول: جرت عادة فلان أن يفعل كذا وكذا، يريد: أنه يفعله في الأكثر. وإن كان هذا هكذا، كانت الموجودات كلها وضعية، ولم يكن هنالك حكمة أصلاً من قبلها ينسب إلى الفاعل أنه حكيم. فكما قلنا: لا ينبغي أن يشك في أن هذه الموجودات قد تفعل بعضها بعضاً ومن بعض، وأنها ليست مكتفية بأنفسها في هذا الفعل، بل بفاعل من خارج فعله شرط في فعلها، بل في وجودها فضلاً عن فعلها.

تهافت التهافت (333 - 335)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير