التَّعَقُّبُ الثَّامِنُ
ص: 168 قوله (أقسام السنة خمسة: ....... 1 – فما اعتقده الرسول صلي الله عليه وسلم اعتقدناه. 2 – وما قاله صلي الله عليه وسلم قلناه. 3 – وما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم وآله فعلناه. 4 – وما أقره رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أقررناه. 5– ما تركه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تركناه انظر الرسالة للشافعي رحمه الله ص: 194) انتهى
قلت: قوله (ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فعلناه) غير دقيق، فمن أفعاله صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز لنا فعله البتة.
وفي كتب الأصول يعقدون بابًا في أفعاله ويفصلون أنواع تلك الأفعال ولهم في ذلك كلام معروف.
فمن الأفعال ما يكون خاصّا به، فلا يشرع لأمته. قال أبو المظفر السمعاني [15]:" ما لم يخرج من أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخرج الشرع لم يثبت به الشرع".
وقال أبو حامد الغزالي ([16]):" فإذا نقل فعل عن رسول الله عليه السلام فهل يتلقى منه حكم؟
أما الواقفية فقد توقفوا فيه، وعزي إلى أبي حنيفة وابن سريج وأبي علي بن أبي هريرة رضي الله عنهم أنه يتلقى منه الوجوب مطلقًا.
والمختار عندنا وهو مذهب الشافعي -رضي الله عنه- أنه إن اقترن به قرينة الوجوب كقوله: {صلوا كما رأيتموني أصلي} فهو الوجوب.
وإن لم يقترن نظر فإن وقع من جملة الأفعال المعتادة من أكل وشرب وقيام وقعود واتكاء واضطجاع فلا حكم له أصلًا.
وظن بعض المحدثين أن التشبه به في كل أفعاله سنة، وهو غلط.
وإن تردد بين الوجوب والندب فإن اقترنت به قرينة القربة فهو محمول على الندب؛ لأنه الأقل والوجوب متوقف فيه.
وإن تردد بين القربة والإباحة فيتلقى منه رفع الحرج وليس هذا متلقى من صيغة الفعل إذ الفعل لا صيغة له ومستنده مسلك الصحابة ([17]) .... "انتهى
وقال ابن القيم ([18]):" لأصل مشاركة أمته له في الأحكام إلا ما خصه الدليل".
وللمبحث مواضع في كتب الأصول.
فالأولى بالشيخ الوصابي أن يقول:" ونتأسى به فيما فعله" بدلًا من قوله" وما فعله فعلناه" هكذا مطلقًا بلا تخصيص عامًا بلا تقييد.
التَّعَقُّبُ التَّاسِعُ
ص:183، قال:" البدعة قسمان: 1 - كبرى. 2 – صغرى."انتهى.
قلت: في عبارته عفا الله عنه لحنٌ يعيبه أهلُ العربية؛ قال ابن هشام الأنصاري رحمه الله تعالى ([19]):" والقاعدة أن كل فُعْلَى مؤنثة (أفعل) لا تستعمل هي ولا جمعها إلا بالألف واللام أو بالإضافة كالكبرى والصغرى والكبر والصغر؛ قال الله تعالى: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ} (المدثر:35) ولا يجوز أن تقول صغرى ولا كبرى ولا كبر ولا صغر ولهذا لحنوا العروضيين في قولهم فاصلة كبرى وفاصلة صغرى"انتهى.
التَّعَقُّبُ العَاشِرُ
ص:203 قال معنوناً (أهل السنة لا يكفرون أحداً من المسلمين) اهـ
ونقل في ص205 قول الطحاوي:" ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب ..... "إلخ.
ونقل عن الموفق ابن قدامة من لمعة الاعتقاد قوله:" ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل".
قلت: أما العنوان ففيه غموض وإبهام وتعمية، وظاهره أن أهل السنة يمتنعون من الحكم بالتكفير على من كان مسلمًا مهما اقترف من موبقات وأتى بمهلكات توجب تكفيره. وهذا غلط. فالحكم بالتكفير على مستحقه لا يتحرج منه أهل السنة أن يطلقوه.
والأولى أن يعنون فيقول: (أهل السنة لا يكفرون أحدًا من المسلمين ما لم يأت بمكف).
وقول الطحاوي المنقول فيه نظر معروف عند أهل العلم.
قال الشيخ الفوزان في شرحه الطحاوية:" (ولا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله) هذا كما سبق أن الذنب إذا لم يكن كفراً أو شركاً مخرجاً من الملة، فإننا لا نُكَفّر به المسلم، بل نعتقد أنه مؤمن ناقص الإيمان، معرض للوعيد وتحت المشيئة. هذه عقيدة المسلم، ما لم يستحله، فإذا استحل ما حرم الله فإنه يكفر، كما لو استحل الربا أو الخمر أو الميتة أولحم الخنزير أو الزنا، إذا استحل ما حرم الله كفر بالله، وكذلك العكس: لو حرم ما أحل الله كفر: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم) [التوبة:31] وجاء تفسير الآية بأنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم.
¥