تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لما اقترن بنفي الشر عنهم ما دل على ذمهم علم أنّ المراد عجزهم وضعفهم أيضاً، ولهذا يأتي الإثبات للصفات في كاتب الله مفصلاً والنفي مجملاً عكس طريقة أهل الكلام المذموم، فإنهم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل، يقولون: ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة لحم، ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض إلى آخر تلك السلوب الكثيرة التي تمجها الأسماع وتأنق من ذكرها النفوس والتي تتنافى مع تقدير الله تعالى حق قدره، وهذه السلوب نقلها أبو الحسن الأشعري رحمه الله عن المعتزلة، وهي لا تخلو من الحق، ولكن فيها من الباطل الشيء الكثير، ويظهر ذلك لمن يعرف أسلوب الكتاب والسنة في هذا الباب. وهو التفصيل في الإثبات والإجمال في النفي كما تقدم.

ثم إن هذا النفي المجرد مع كونه لا مدح فيه، فيه إساءة أدب مع الله سبحانه. فإنك لو قلت لسلطان: أنت لست بزبَّال ولا كسّاح ولا حجام ولا حائك لأدبك على هذا الوصف وإن كانت صادقاً، وإنما تكون مادحاً إذا أجملت فقلت: أنت لست مثل أحدٍ من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف وأجل، فإن أجملت في النفي أجملت في الأدب. والتعبير على الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة.

والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع في الأسماء والصفات ولا يتدبرون معانيها ويجعلون ما يبتدعونه من المعاني والألفاظ هو الحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده.

"والمقصود: أن غالب عقائدهم السلوب ليس بكذا، وأما الإثبات فهو قليل، وهو أنه عالم، قادر حي" اهـ.

فلنكتف بهذا المقدار من الصفات السلبية لنأخذ في الحديث في الصفات الثبوتية في الفصل التالي (مستعينين بالله وحده).

ب- الصفات الثبوتية:

إذا علم مما تقدم أن الصفات السلبية هي التي لا تدل بدلالة المطابقة على معنى وجودي، وإنما تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله كالقِدّم الذي ينفي عن الله عدم الأولية والبقاء الذي ينفي عن الله لحوق العدم، أي عدم الآخرية، أو التي تقع في سياق النفي، أي بعد أداة النفي مثل (لا) و (ما) و (ليس) كقوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، إذا علم ذلك فإن الصفات الثبوتية هي التي تدل على معنى ثبوتي ووجودي. ومن الصفات الثبوتية تلك الصفات السبع المعروفة عند الأشاعرة بصفات المعاني: كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والحياة والكلام، وهذه الصفات وأمثالها تدل بدلالة المطابقة على معنى وجودي مع تضمنها سلب أضدادها، فالقدرة مثلاً تدل على معنى وجودي لأنها صفة بها إيجاد الممكنات وإعدامها على وفق الإرادة وفي الوقت نفسه تدل على سلب العجز عن الله تعالى ضرورة استحالة اجتماع الضدين عقلاً، وهكذا بقية الصفات الثبوتية، وهذه الصفات محل إجماع بين الصفاتية من أتباع السلف الصالح والأشاعرة وغيرهم من مثبتة الصفات، لذلك لسنا بحاجة إلى سوق الأدلة لإثباتهان وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع بين أهل الإثبات على اختلافهم فيما عداها كما سيأتي قريباً.

ج- صفات الذات:

يقال للصفات الثبوتية: صفات الذات إضافة إلى الذات العلية لملازمتها للذات لأنها لا تتجدد تجدد صفات الأفعال، فهي بهذا الاعتبار ذاتية، ومن حيث دلالتها على معنى ثبوتي ووجودي يقال: (ثبوتية، كالعلم والسمع والبصر والعزة والحكمة) وغيرها. وهي بهذا الاعتبار تقابل السلبية وقد تقدم الكلام عليها.

ومن الصفات الذاتية صفات شرعية وعقلية مثل الصفات السلبية الخمس المعروفة عند الأشاعرة وصفات المعاني التي تقدم الكلام فيها، ومنها صفات خبرية محضة وهي الصفات التي الأصل في إثباتها الخبر عن الله عز وجل أو عن رسوله المعصوم مثل الوجه واليد والقدم والساق والأصابع هذه صفات ذاتية ملازمة للذات العلية وثابتة ثبوت الذات، فإذا هي ثبوتية وذاتية وهي معروفة بالصفات الخبرية، وسيأتي تفصيل الكلام فيها وهي تقابل الصفات الفعلية المتجددة كما تقابل الصفات السلبية من حيث الدلالة، والله أعلم.

د- صفات الفعل:

أما الصفات الفعلية فقد اختلف أهل العلم في تعريفها، وفي التفريق بينها وبين الصفات الذاتية. وهي من الصفات الثبوتية التي تقدم ذكرها.

قال (ملا علي القاري) الحنفي المتوفى سنة (1001هـ) رحمه الله في شرحه على (الفقه الأكبر) للإمام أبي حنيفة رحمه الله (المتوفى سنة150هـ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير