لأندلالة العقل عند هذا سلبية، إذ لم يوجب؛ يتوقف ولم ينف!
فصار هؤلاء يحكمون العقل فيما يجب أو يمتنع على الله عز وجل.
فيتفرع على هذا: ما اقتضى العقل وصف الله به، وصف الله به وإن لم يكن في الكتاب والسنة، وما اقتضى العقل نفيه عن الله؛ نفوه، وإن كان في الكتاب والسنة.
ولهذا يقولون: ليس لله عين، ولا وجه، ولا له يد، ولا استوى على العرش، ولا ينزل إلى السماء الدنيا ولكنهم يحرفون ويسمون تحريفهم تأويلاً ولو أنكروا إنكار جحد؛ لكفروا؛ لأنهم كذبوا لكنهم ينكرون إنكاراً ما يسمونه تأويلاً وهو عندنا تحريف.
والحاصل أن العقل لا مجال له في باب أسماء الله وصفاته.
فإن قلت: قولك هذا يناقض القرآن، لأن الله يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً} [المائدة: 50] والتفضيل بين شيء وآخر مرجعه إلى العقل وقال عز وجل: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} [النحل: 60] وأشباه ذلك مما يحيل الله به على العقل فيما يثبته لنفسه وما ينفيه عن الآلهة المدعاة؟
فالجواب أن نقول: إن العقل يدرك ما يجب لله سبحانه وتعالى ويمتنع عليه على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل؛ فمثلاً: العقل يدرك بأن الرب لابد أن يكون كامل الصفات، ولكن هذا لا يعني أن العقل يثبت كل صفة بعينها أو ينفيها لكن يثبت أو ينفي على سبيل العموم الرب لابد أن يكون كامل الصفات سالماً من النقص.
فمثلاً: يدرك بأنه لا بد أن يكون الرب سميعاً بصيراً؛ قال إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ} [مريم: 42].
ولابد أن يكون خالقاً؛ لأن الله قال: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} [النحل: 17] {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً} [النحل: 20].
يدرك هذا ويدرك بأن الله سبحانه وتعالى يمتنع أن يكون حادثاً بعد العدم؛ لأنه نقص، ولقوله تعالى محتجاً على هؤلاء الذين يعبدون الأصنام: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20]؛ إذاً يمتنع أن يكون الخالق حادثاً بالفعل.
العقل أيضاً يدرك بأن كل صفة نقص فهي ممتنع على الله؛ لأن الرب لابد أن يكون كاملاً فيدرك بأن الله عز وجل مسلوب عن العجز؛ لأنه صفة نقص إذا كان الرب عاجزاً وعصي وأراد أن يعاقب الذي عصاه وهو عاجز؛ فلا يمكن!
إذاً؛ العقل يدرك بأن العجز لا يمكن أن يوصف الله به، والعمى كذلك والصمم كذلك والجهل كذلك ... وهكذا على سبيل العموم ندرك ذلك، لكن على سبيل التفصيل لا يمكن أن ندركه فنتوقف فيه على السمع.
سؤال: هل كل ما هو كامل فينا يكون كاملاً في حق الله، وهل كل ما هو نقص فينا يكون نقصاً في حق الله؟
الجواب: لا؛ لأن المقياس في الكمال والنقص ليس باعتبار ما يضاف للإنسان؛ لظهور الفرق بين الخالق والمخلوق، لأن باعتبار الصفة من حيث هي صفة؛ فكل صفة كمال؛ فهي ثابته لله سبحانه وتعالى.
فالأكل والشرب بالنسبة للخالق نقص، لأن سببها الحاجة، والله تعالى عني عما سواه، لكن هما بالنسبة للمخلوق كمال ولهذا؛ إذا كان الإنسان لا يأكل؛ فلابد أن يكون عليلاً بمرض أو نحو هذا نقص.
والنوم بالنسبة للخالق نقص؛ وللمخلوق كمال، فظهر الفرق.
التكبر كمال للخالق ونقص للمخلوق؛ لأنه لا يتم الجلال والعظمة إلا بالتكبر حتى تكون السيطرة كاملة ولا أحد ينازعه ولهذا توعد الله تعالى من ينازعه الكبرياء والعظمة؛ قال: "من نازعني واحد منهما عذبته" رواه مسلم.
فالمهم أنه ليس كل كمال في المخلوق يكون كمالاً في الخالق ولا كل نقص في المخلوق يكون نقصاً في الخالق إذا كان الكمال أو النقص اعتبارياً."
أنظر: شرح العقيدة الواسطية، ص62 - 65.
ـ[مالك مناع]ــــــــ[15 - 03 - 10, 09:22 ص]ـ
والإدراك كما هو معلوم هو: إحاطة الشيء بكماله؛ قاله الجرجاني في التعريفات: والإدراك هو المرتبة الثانية من مراتب وصول العلم إلى النفس إذ إنه يكون بتمامه أما المرتبة الأولى فهي شعور وهو وصول المعنى إلى النفس لا بتمامه.
أنظر في ذلك الكليات لأبي البقاء الكفوي ص66، ومذكرة المنطق للشنقيطي والتوقيف للمناوي ص363.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[15 - 03 - 10, 09:49 ص]ـ
فمثلاً: يدرك بأنه لا بد أن يكون الرب سميعاً بصيراً؛ قال إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ} [مريم: 42].
ولابد أن يكون خالقاً؛ لأن الله قال: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} [النحل: 17] {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً} [النحل: 20].
بارك الله فيك ..
نقل مفيد ..
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[15 - 03 - 10, 01:45 م]ـ
قد مضى ما أردت تقريره وقد بينته من قبل بيانًا حسنًا ولا داعي لتكراره، لا سيما والمخالف في المسألة لا نهمة له إلا في بيان خطأ مخالفه ومحاولة إظهار هذا معم ضميمة عدم الإتيان بقول معتبر يدل على مذهبه ....
فيا رب سلم سلم.
وهدية لإخواني محاضرتا الشيخ المربي خالد السبت:
1) مسالك الهوى.
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=24361
2) أخلاق الكبار.
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=24372
¥