تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإنه حسب ما تفهمه أنت أخي الكريم ـ ويفهمُه كثيرون ـ من أن هذا الفعلَ (أعني الرضاعَ بالمباشرةِ) هو فاحشةٌ، فلو كان الأمرُ كذلك لكان لِزاماً على رسولٍ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلمَ ـ أن يُبينَّ ويوضحَ بما لا يدعُ مكاناً لشكِ وريبةٍ أو سؤالٍ، في هذا المناطِ تحديداً، وأن ينصَ صراحة ً على وسيلةِ الفعلِ، لِما ينطوي عليه من عملٍ فاحشٍ وسوءٍ. وقد رأينا أنه صلى اللهُ عليه وسلمَ لما صرف ألفاظاً عن معانيها الحقيقية قد أبان السبب وأبان الكيفية، فكيف لا يصرف هنا ولا يبين سبباً ولا كيفيةً، والمناط يتعلق ـ بما نقول أنه ـ عملٌ فاحش؟

أما وأن رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ لا يُعجزُه البيانُ

أما وإنه ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ لا يفوتُه البيانَ حيثُ البيانُ واجبٌ.

أما وإنه ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ لم يصرف اللفظ إلى معنى أخر ـ بل سكت عنه وأكد أنه ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ يقصدُ ما يقول لمّا ردّ: قد علمت أنه كبير.

أما وإنه صلى الله عليه وسلم ـ لم يبن سبباً، ولم يوضح كيفية ً.

أما وإن التحريم بالشرب تابعُ للتحريم بالرضاع ومشتقٌ منه وغيرُ قائمٍ بنفسه ولا مشتهرٍ أنذاك بحيث يكونُ معلوماً لفهم سهلة ـ رضيَّ اللهُ عنها.

فإن اللفظَ صحيحٌ، والفعلَ غيرُ فاحشٍ.

لن أقف كثيراً عند تفسير مراجعة سهلة ـ رضيَّ اللهُ عنها ـ لرسولِ الله ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ ففيما سبق من وقوف الشيخ الكفاية، ولكني أقف عند ردِه ـ صلواتُ ربِنا وسلامُه عليه ـ وكيفيةِ هذا الردِ من أنه ابتسمَ وضحكَ لمّا قال: قد علمتُ أنه كبير.

هل في هذا الردِ جهلٌ ـ وتعالى اللهً عما اضطر لكتابته ـ حاشاه صلى الله عليه وسلم، هل كان يجهلُ ـ صلى الله عليه وسلمَ ـ أن سالماً كبير، أم أنه ـ صلواتً اللهِ وسلامًه عليه ـ كان يعلمُ أنه كبيرٌ، بل ويعلمُ من اللهِ حقيقة َ ودخيلة َ نفسِ سالمٍ ونفسِها ونفسِ أبي حذيفة ويعلمُ من اللهِ ما لا تعلمه سهلة؟

كان صلى الله عليه وسلم عالماً بكل ذلك، وفي قوله " أرضعيه تحرمي عليه ويذهبُ الذي في نفس أبي حذيفة " دليلُ علمه صلى اللهُ عليه وسلم، لأن تحققَ الحُرمةِ مربوطُ بالرضاعةِ، وذهابَ الذي في وجهِ أبي حذيفة مربوطُ بتحققِ الحُرمةِ لا بتحققِ عِلمِ أبي حذيفة، وكانت (يذهبُ الذي في وجه أبي حذيفة) هي بشارةٌ من النبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ بما يحدث، بعد تحققِ الحُرمةِ بالرضاعةِ وليسَ بتحققِ عِلمِ أبي حذيفة. فلو كان الأمرُ متوقفاً على تحققِ علمِ أبي حذيفة ـ لكان يسهل على سهلةَ ـ رضيَّ اللهُ عنها ـ أن تخبره بأنها أرضعته ولو تعريضاً دون الفعل ـ ولو كان مجرد تحقق العلم شرطاً في ذاته كي يتحقق ذهاب ما في وجهه، للزم أبا حذيفةَ أن يتأكدَ من هذا التحققِ بنفسه بأن يقوم بنفسه كل يوم على عملية العصر وعملية الشرب، وألا يكتفي بمجرد أنه علم أنها تفعل ذلك دون أن يكون لديه عين يقين في هذا الأمر الخطير الذي يتوقف عليه ذهاب ما في وجهه.

أقصدُ أنه كان عليه أن يقوم بنفسه على جزئين مهمين هما: أن يرى بنفسه عصر اللبن منها كل يوم وأن يرى بنفسه شرب سالمٍ للبن كل يوم، ولكنه لم يفعل، فإن الأمرَ لا يعودُ على علمه من عدمه، بل هو كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أرضعيه) تؤدي إلى (تحرمي عليه) وتكون البشارة (ويذهبُ الذي في وجه أبي حذيفة).

وإذا تأملنا قولََه ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ (أرضعيه تحرمي عليه ويذهبُ الذي في وجه أبي حذيفة)

لو كان (ذهابُ الذي في وجه أبي حذيفة) مترتباً على (تحقق علمه) لكان العطف بـ (ثم) أو (الفاء) أبلغَ من العطف بـ (الواو)

لأن وقوعَ الحُرمةِ متحققٌ بوقوعِ الرضاعِ لذا لم نجد عطفا بينهما، بينما (ذهابُ الذي في وجه أبي حذيفة) مرتبط ٌ (بتحقق علمه)، فهنا سببٌ جديدٌ هو (تحقق علمه) بعد (تحقق الحرمة) يلزمه عطفٌ يناسب ترتيبه المتأخرِ في الحدوث. ويكون الكلام البليغ الذي يُعبر عن هذا كله، هو على نحو (أرضعيه تحرمي عليه ثم يذهبُ الذي في وجه أبي حذيفة) أو (أرضعيه تحرمي عليه، وأخبري أبا حذيفة فيذهب الذي في وجهه) وهذا لم نجده في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو الذي أؤتي جوامع الكلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير