تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل نجد أنه لم يعطفْ (تحرمي عليه) على (أرضعيه) لأنها نتيجة ٌ لها مترتبة ٌٌعليها.

كما نجد أنه عطفَ بين (تحرمي عليه) وبين (يذهب الذي في وجه أبي حذيفة) بـ (الواو)

والعطفُ بالواو يفيدُ التساوي في الحدوثِ بين كلٍ من (وقوعِ التحريم) و (ذهابِ الذي في وجه أبي حذيفة) بعد (أرضعيه).

أي أن ذهابَ الذي في وجه أبي حذيفة مترتبٌ على تحقق الرضاع متساوٍ مع وقوعِ الحرمةِ ولا يلزمه تحققُ العلمِ له.

وبهذا تنتفي أي مظنة ٌ للتواطؤِ وغيره مما نزعمه.

ولو نظرنا إلى بداية المسألة في قولها (أظن أني أجدُ في وجه أبي حذيفة) لرأينا أن المسألة مبنية على ظن سهلة ـ رضيَّ اللهُ عنها ـ فكان العلاجُ للمعلولِ بالظن أولا، فعندما تفعلُ ذلك الذي أمرها به رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلمَ ـ تتأكدُ هي وسالمٌ من تحقق الحرمة ووقوعها بعد أن رفعها نسخُ التبني، ويذهب من نفسيهما الظن ويحلُ مكانه اليقين، وفي تحقق هذا اليقين منهما مرةً ثانية ـ وقد كان موجوداً من قبلُ بالتبني ـ بأنها أمه وهو ابنها ما يريح قلب أبي حذيفة من جديد كما كان قبلَ رفع التبني.

أما الكلام عن التواطؤِ ونحوه، فليسَ إلا افتعالٌ وانفعالٌ لا يستحقُ التفصيلَ فيه، وكيف يكونُ تواطوءاً والحديثُ روته أمُ المؤمنينَ عائشةُ ـ رضيَّ اللهُ عنها ـ أي أنها كانت حاضرة ً، فهل يُتواطأ على ذلك في وجودِ مَنْ يمكنُ أن يكشفَ هذا التواطؤ؟ فلا يكون إلا أن نزعم أن أمَ المؤمنينَ عائشةُ ـ رضيَّ اللهُ عنها ـ كذلك اشتركت في هذا التواطؤ؟

وإن لم تكن موجودةً فلا ريب أن الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الذي أخبرها، فكيف يتواطأ ثم يشي؟

الحق أن مجرد الحديث في هذا الأمر هو قريبٌ من الكفر. فاتق الله أخي الكريم وخل عنك هذا التصورَ الظالمَ لك وللشيخِ الكريم ولنا. واحذر كلمة ً تدفعنا إليها بظنِك وتصورِك هذا، فنهوى بها في النارِ سبعين خريفا.

هل في تبسُمِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلمَ أو ضحكه من استنكارها استخفافٌ بها في شيء؟

كلا، وقد ردّ الشيخُ على ذلك وهو صحيحُ، وأزيدُ على ما قال: أن المرءَ لمّا يكونُ يعلمُ شيئاً لا يعلمُه محدثُه، ثم يرى اضطراباً أو فزعاً من محدثِه ـ لانتفاء علمِ المحدثِ بهذا الشيء ـ فإنه يبتسمُ لذلك لا سخرية ً ولا استخفافاً.

ومثالُ ذلكَ في قصةِ أم سلمة َ رضيَّ اللهُ عنها لمّا ذهبت مهرولةً تلوثُ خمارَها وهي فََزِِعةٌ ٌ قلقةٌ ٌ على صغيرتها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تسألُه: أدعوتَ على صغيرتي يا رسولَ الله؟

قال: كيف ذاك يا أم سلمة؟

قالت: زَعمتَ أنك دعوتَ عليها ألا يكبرُ سنُها أو قرنُها؟

هنا تبسمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وضحكَ وقال: أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة.

فكان تبسُمُه وضحكُه ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ أنه يفهمُ ويعلمُ شيئاً لم يعلمْه بعدُ مُحدثهُ المضطربُ المستنكرُِ.

وهذا يحدث فينا جميعاً نحن البشر، فلو أن البراءَ ابن أحمدَ هو رجلٌ سليطً اللسانِ، فاحشٌ، متفحشٌ، يجتنبه الناسُ لفحشِه، وكان لمحمودَ عند البراءِ حاجة ٌ، فقصدَ محمودُ أبا حمزة ليتولى طلبَ هذه الحاجةِ من البراءِ خوفاً من فُحشِه، فردَّ أبو حمزة: بل اذهب إليه واطلبها منه، فاضطربَ محمودٌ واستنكرَ: كيف أكلمُه حتى يصيبني بفحشِه وبذائتِه؟

فيضحك أبو حمزة أو يبتسمُ ويقولُ: لا، لقد هداه اللهُ ولم يعد كذلك فلا تخش واذهب إليه

فلا يكون تبسمُ أبي حمزةَ وضحكُه هنا استخفافاً أو سخريةً من اضطرابِ محمودَ، بل لأنه يعلمُ ما لم يتنامَ إلى علمِ محمودَ من تَغيّرِ حالِ البراءِ.

فهكذا تبسمُ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلمَ ـ من استنكارِ سهلةَ ـ رضيَّ اللهُ عنها ـ لأنه يعلمُ ما لا تعلمه سهلةُ من أن الله عز وجل يوقعُ هذه الحُرمة َ ولو كان كبيراً، ويعلمُ صلى اللهُ عليه وسلم بذهابِ الذي في وجهِ أبي حذيفة بشارةً منه بوقوعِ هذه الحُرمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير