تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا يدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت به الإساءة فقط. فإذا تقرر هذا فكل موضع اختلف العلماء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه , وكل موضع اختلفوا في عدم وجوبه ولم يكن مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في عدم وجوبه لكونه غير مذكور على ما تقدم من كونه موضع تعليم , ثم قال: إلا أن على طالب التحقيق ثلاث وظائف: أحدها أن يجمع طرق الحديث ويحصي الأمور المذكورة فيه , ويأخذ بالزائد فالزائد فإن الأخذ بالزائد واجب

وثانيها إذا أقام دليلا على أحد الأمرين إما الوجوب أو عدم الوجوب فالواجب العمل به ما لم يعارضه ما هو أقوى , وهذا عند النفي يجب التحرز فيه أكثر فلينظر عند التعارض أقوى الدليلين يعمل به قال: وعندنا أنه إذا استدل على عدم وجوب شيء بعدم ذكره في الحديث , وجاءت صيغة الأمر به في حديث آخر فالمقدم صيغة الأمر , وإن كان يمكن أن يقال: الحديث دليل على عدم الوجوب ويحمل صيغة الأمر على الندب , ثم ضعفه بأنه إنما يتم إذا كان عدم الذكر في الرواية يدل على عدم الذكر في نفس الأمر وليس كذلك , فإن عدم الذكر إنما يدل على عدم الوجوب وهو غير عدم الذكر في نفس الأمر فيقدم ما دل على الوجوب لأنه إثبات لزيادة يتعين العمل بها ا هـ.

والوظائف التي أرشد إليها قد امتثلنا رسمه فيها. فجعلنا من طرق هذا الحديث في هذا الشرح عند الكلام على مفرداته ما تدعو الحاجة إليه وتظهر للاختلاف في ألفاظه مزيد فائدة وعملنا بالزائد فالزائد من ألفاظه فوجدنا الخارج عما اشتمل عليه حديث الباب: الشهادتين بعد الوضوء. وتكبير الانتقال. والتسميع والإقامة. وقراءة الفاتحة ووضع اليدين على الركبتين حال الركوع. ومد الظهر. وتمكين السجود. وجلسة الاستراحة. وفرش الفخذ. والتشهد الأوسط. والأمر بالتحميد والتكبير والتهليل والتمجيد عند عدم استطاعة القراءة , وقد تقدم الكلام على جميعها إلا التشهد الأوسط وجلسة الاستراحة وفرش الفخذ فسيأتي الكلام [ص: 309] على ذلك

والخارج عن جميع ألفاظه من الواجبات المتفق عليها كما قال الحافظ والنووي: النية. والقعود الأخير. ومن المختلف فيها التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه. والسلام في آخر الصلاة , وقد قدمنا الكلام على النية في الوضوء , وسيأتي الكلام على الثلاثة الأخيرة. وأما

قوله إنها تقدم صيغة الأمر إذا جاءت في حديث آخر واختياره لذلك من دون تفصيل , فنحن لا نوافقه بل نقول: إذا جاءت صيغة أمر قاضية بوجوب زائد على ما في هذا الحديث فإن كانت متقدمة على تاريخه كان صارفا لها إلى الندب لأن اقتصاره صلى الله عليه وسلم في التعليم على غيرها وتركه لها من أعظم المشعرات بعدم وجوب ما تضمنته لما تقرر من أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وإن كانت متأخرة عنه فهو غير صالح لصرفها لأن الواجبات الشرعية ما زالت تتجدد وقتا فوقتا وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على الخمس المذكورة في حديث ضمام بن ثعلبة وغيره: أعني الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها في مقام التعليم والسؤال عن جميع الواجبات واللازم باطل فاللزوم مثله

وإن كانت صيغة الأمر الواردة بوجوب زيادة على هذا الحديث غير معلومة التقدم عليه ولا التأخر ولا المقارنة فهذا محل الإشكال ومقام الاحتمال , والأصل عدم الوجوب والبراءة منه حتى يقوم دليل يوجب الانتقال عن الأصل والبراءة , ولا شك أن الدليل المفيد للزيادة على حديث المسيء إذا التبس تاريخه محتمل لتقدمه عليه وتأخره فلا ينهض للاستدلال به على الوجوب وهذا التفصيل لا بد منه وترك مراعاته خارج عن الاعتدال إلى حد الإفراط أو التفريط لأن قصر الواجبات على حديث المسيء فقط وإهدار الأدلة الواردة بعده تخيلا لصلاحيته لصرف كل دليل يرد بعده دالا على الوجوب سد لباب التشريع ورد لما تجدد من واجبات الصلاة ومنع للشارع من إيجاب شيء منها وهو باطل لما عرفت من تجدد الواجبات في الأوقات

والقول بوجوب كل ما ورد الأمر به من غير تفصيل يؤدي إلى إيجاب كل أقوال الصلاة وأفعالها التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم من غير فرق بين أن يكون ثبوتها قبل حديث المسيء أو بعده لأنها بيان للأمر القرآني أعني قوله تعالى: {أقيموا الصلاة} ولقوله صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} وهو باطل لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم وهذا الكلام في كل دليل يقضي بوجوب أمر خارج عن حديث المسيء ليس بصيغة الأمر كالتوعد على الترك أو الذم لمن لم يفعل. وهكذا يفصل في كل دليل يقتضي عدم وجوب شيء مما اشتمل عليه حديث المسيء أو تحريمه إن فرضنا وجوده. وقد استدل بالحديث على عدم وجوب الإقامة ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمنى على اليسرى , وتكبيرات الانتقال , وتسبيحات الركوع والسجود , وهيئات الجلوس , ووضع اليد على الفخذ , والقعود ونحو ذلك. قال الحافظ: وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر [ص: 310] في بعض الطرق ا هـ. وقد قدمنا البعض من ذلك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير