تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن شرب في نفس واحد جاز له ذلك، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "إنما نهى عن التنفس داخل الإناء، فأما من لم يتنفس فإن شاء فليشربْ بنفس واحد" (33) وقد ورد فيه حديث صحيح (34).

سادساً: الاقتصاد في الشرب: السنة أن لا يكثر الشرب، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، كما جاء عن النبي {(35).

سابعاً: حمدالله تعالى بعد الانتهاء من شربه: إذا انتهى من شربه حمد الله تعالى؛ مستحضرًا نعمة الله تعالى في تحصيل هذا الماء وجعله عذبًا فراتًا، ولو شاء لجعله ملحاً أجاجاً لا يستطيع شربه، ويستحضر نعمة التذاذه بهذا الماء، وإطفاءِ عطشه، وانتفاع جسده ..

وهذا الحمد لمن يستحق الحمد سبب لرضى الله تعالى، ولبقاء النعمة وهو من شكر المولى سبحانه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم (36).

كما يستحضر نعمة الله تعالى عليه بأن جعل لفضلات ما يأكل ويشرب مخرجًا، ولو انحبس في بطنه أو مثانته لحصل له من الأذى والضرر والألم ما لا يخفى؛ ولذا كان النبي {إذا أكل أو شرب قال: "الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً" أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان (37).

ويحكى أن هارون الرشيد رحمه الله تعالى عطش يومًا فدعا بماء فأحضر له، فقال له أحدُ جلسائه: لو مُنعت هذا الكأس من الماء أتشتريه بنصف ملكك؟ قال: نعم، قال: فإذا انحبس في جوفك أتدفع نصف ملكك لإخراجه؟ قال: نعم، قال: فملكك إذًا لا يساوي كأس ماء!!.

وهذا يدل على نعمة الله تعالى على عباده، وأنهم محتاجون إليه أبدًا، فحق عليهم أن يشكروا المنعم سبحانه وتعالى.

ثامناً: البدء باليمين في السقيا: إذا شرب المسلم، وأراد دفع الإناء إلى غيره؛ فالسنة أن يبدأ بمن هو عن يمينه، وكذلك الساقي يسقي من هم عن يمينه؛ لما روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله {أُتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن شماله أبوبكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: "الأيمن فالأيمن" رواه الشيخان (38).

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله {أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ " فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتلّه رسول الله {في يده" رواه الشيخان (39).

ومعنى تله: أي وضعه في يد الغلام.

وقد دل هذا الحديث والذي قبله على تقديم من كان على يمين الشارب على غيره ولو كان غيره أرفع مقامًا أو أكبر سنًا؛ إذ قدم النبي {الأعرابي على أبي بكر كما في حديث أنس، وقدم الغلام على الأشياخ كما في حديث سهل. وقد يشكل على هذين الحديثين أحاديث أخرى ورد فيها تقديم الأكبر ومنها:

أ حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي {قال: "أراني أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبّر، فدفعته إلى الأكبر منهما" (40).

ب حديث سهل بن أبي حثمة في القسامة وفيه: أن عبد الرحمن بن سهل وكان أصغر القوم أراد أن يتكلم قبل صاحبيه، فقال له رسول الله {: "كبر" وفي رواية: "كبِّر الكُبْر" أو قال: "ليبدأ الأكبر" (41) 0

ج حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله {إذا سقى قال: "ابدؤوا بالكبير أو قال: بالأكابر" (42).

وأجيب عن هذه الأحاديث بما يلي:

1 أنها محمولة على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه أو حيث لا يكون فيهم؛ فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن.

2 أو يخص من عموم هذا الأمر بالبداءة بالكبير ما إذا جلس بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره، ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل. ذكره الحافظ (43). وقال: "ويظهر من هذا أن الأيمن ما امتاز بمجرد الجلوس في الجهة اليمنى، بل بخصوص كونها يمين الرئيس، فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل؟ ". ا ه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير