تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس. وقال الشافعي: الناس في الفقه عِيَالٌ على أبي حنيفة. وقال الذهبي: الإمام فقيه الملة، عالم العراق، وقال: عُني بالآثار، وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه، فإليه المنتهى والناس عليه عِيَال في ذلك (12).

شيوخه وتلامذته:

أدرك أبو حنيفة بعض الصحابة في صغره، لكنه لم يجد في حال نشأته من يرشده لطلب العلم، والأخذ عمن يمكنه السماع ممن أدرك منهم، فاشتغل بالبيع والشراء، وتعاطى التجارة، إلى أن أرشده الإمام الشعبي لطلب العلم - كما تقدم - فَجدَّ في الطلب، وأدرك علماً جماً، وعلماء كُثُر، ونجد في تهذيب الكمال وسير أعلام النبلاء طائفة من شيوخه بلغ عددهم خمسين شيخاً ومن أبرزهم: شيخه الذي لازمه حتى استفاد منه علم الفقه حماد بن أبي سليمان، وعطاء بن أبي رباح، وعطية العوفي، وعبدالرحمن بن هُرْمُز الأعرج، وعكرمة، ونافع، وعدي ابن ثابت، وعمرو بن دينار، وسلمة بن كهيل، وقتادة بن دعامة، ومنصور بن المعتمر، وعدد كثير من التابعين (13).

أما تلاميذه فهم كثيرون من محدثين وفقهاء، منهم زُفَر بن الهذيل، وأبو يوسف القاضي، وابنه حماد بن أبي حنيفة، ونوح بن أبي مريم، والحسن بن زياد اللؤلؤي، ومحمد بن الحسن، وأسد ابن القاضي، وغيرهم. وممن أخذ عنه من أقرانه، مغيرة بن مقسم، وزكريا بن أبي زائدة، ومِسْعَر بن كِدَام، وسفيان الثوري، ومالك بن مغول، ويونس بن أبي إسحاق.

وممن بعدهم: زائدة، وشَريك، والحسن بن صالح، وأبو بكر بن عياش، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وحفص بن غِيَاث، وجرير بن عبدالحميد الضَّبِّي، وابن المبارك، ووكيع، وأبو إسحاق الفزاري، ويزيد بن هارون وغيرهم، وهذا يدل على مكانة أبي حنيفة العلمية وتبحره وسعة علمه.

عقيدته:

عقيدة أبي حنيفة - رحمه الله - في أصول الإيمان كغيره من الأئمة الثلاثة - مالك، والشافعي، وأحمد -، وليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الإيمان، فهم متفقون على: الإيمان بصفات الله عز وجل، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الإيمان لابد فيه من تصديق القلب واللسان، وعمل بالجوارح بل كانوا يُنكرون على أهل الكلام من جهمية وغيرهم ممن تأثروا بالفلسفة اليونانية، والمذاهب الكلامية.

يقول شيخ الإسلام: "إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله عز وجل، ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ويقولون: إن الله يُرى في الآخرة، هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم، وهذا مذهب الأئمة المتبوعين فقط، مالك بن أنس، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد .. " (14).

رميه بالإرجاء:

أُخِذَ على أبي حنيفة أنه خالف جمهور السلف في مسألة "إخراج الأعمال عن حقيقة الإيمان".

لأنه يرى: أن الإيمان التصديق بالجنان والإقرار باللسان.

ويرى غيره من الأئمة: أنه تصديق القلب، وإقرار اللسان، وعمل الأركان.

ومن هنا عاب عليه بعض العلماء، واتهموه بالإرجاء.

قال ابن عبدالبر: كلُّ من قال من أهل السنة: الإيمان قول وعمل يُنكرون قوله ويُبَدِّعُونه (15).

ولاشك أن هذا القول خِلاف مذهب السلف الصالح، لكنه إرجاء مقيد، لا يصل إلى الإرجاء الخالص المطلق الذي يزعم أصحابه أنه:

لا يضر مع الإيمان معصية.

كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

فبرغم موافقته لهؤلاء في عدم إدخال الأعمال في مسمى الإيمان لكنه يختلف معهم اختلافاً جذرياً.

فهم يرون: أنه لا تضر مع الإيمان معصية.

وهو يرى: أن مرتكب الذنب مستحق للعقاب، وأمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له.

قال أبو حنيفة في رده هذا المذهب الخطير: ولا نقول: إن المؤمن لا تضره الذنوب، ولا نقول: إنه لايدخل النار ... ولا نقول: إن حسناتنا مقبولة، وسيئاتنا مغفورة، كقول المرجئة (16).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير