ولا أرى مسوّغا لتخوفك من مالكية زماننا، خاصة وأنت مُحَصَّنٌ بـ*قصرك*، جليسا للوزراء والكتّاب، ثم أنت ترى الحال التي آل إليها شيوخنا من المالكية من الضعف واستيلاء أشباه *القرامطة* على ما تعلم، والله المستعان.
أم أنك مستصحبٌ لصولتهم ودولتهم في القرون الخالية، والأزمنة الماضية.
ومثلك لا ينسى النصيحة المسطورة في *الزغل*، التي جلبت على *التركماني* الزعل!
ـ[الجهشياري]ــــــــ[30 - 01 - 08, 02:02 م]ـ
الحمد لله وحده.
أخفيتُ الجلي، وكدتَ تُظهِر الخفي. وإنما عمَّينا في الذي نسطر، لنستثير من يطل عليه ثم يمر كأنْ لم ينظر.
وإن تعجب فاعجب لصاحب "الديباج" فقد اعتبره "أحد أئمة الشافعية"، ومع ذلك ترجم له في كتابه! وهذه قرينة أخرى تدل على حرص المالكية عليه، وإن كان ما في "الديباج" لا يضاهي ما ذكره "التاج" ...
وهو ليس أول مَن تضلّع من مذهبين، فقد سبقه إلى ذلك الشيخ محيي الدين عبد القادر بن موسى الحسني؛ وكان يفتي على المذهبين (الشافعي والحنبلي). ومن أغرب الفقهاء في هذا الباب: أبو الحسن محمد بن إبراهيم الكاتب. فقد كان يتفقه على مذهب الشافعي في الظاهر، و يرى رأي الشيعة الإمامية في الباطن! و كان فقيها على المذهبين، و له على المذهبين كتب! ذكر ذلك ابن النديم، وهو موثوق فيما يرويه عن الإمامية ..
وممن كان يفتي على المذهبين، الحنفي والشافعي: الصيرفي الذؤالي، صاحب "الرد على النحاة" (!)
وممن كان يفتي أيضا على المذهبين، الحنفي والشافعي: برهان الدين الأقصرائي؛ وهو من شراح الحكم العطائية.
ويبدو أن الأزمة الاقتصادية كانت ملازمة لبلادنا الإسلامية منذ قرون .. ولعل بعض الحكام لجأ إلى ابتداع منصب "المفتي على المذهبين"، ترشيدا لنفقات الدولة!
ورحم الله "ابن فرحان"؛ فلو تصوَّر تحوُّل فقيه من المذهب المالكي إلى الظاهري، ماذا كان سينحت لنسبته؟ لا ريب أنه كان سيقول عنه "ماهري". ولو فعلها، لكان أبدع أجمل نحت من حيث المعنى والوقع على الآذان!
وقد لمحت ما في كلامك من تعريض، فحملته على محمل التحريض. فاستفززت المالكية بالتثريب، لكن ما من مجيب! فهل هم في زماننا هذا غُيَّب؟ أم تحوّلوا إلى برق خلّب؟! أم تراهم تحنبلوا، كما تشيع قبلهم القاضي النعمان لأجل الرئاسة؟! ويروى أنه جاء إليه رجل مغربي (وهو مغربي آخر، غير الذي حيَّرنا) وقال له: "قد عزمت الدخول في الدعوة (أي: الإسماعيلية) ". فقال له: "ما حملك على هذا؟ " فقال الرجل: "الذي حمل سيدَنا" فأجابه النعمان: "نحن أدخلَنا في هواهم حلواهم؛ فأنت لماذا تفعل؟ "
فأين هم المالكية؟ أم تراهم ينتظرون رجالا من غير مذهبهم لنصرة نهج إمامهم احتسابا؟! ولعلهم في هذا يستأنسون بما ذكره الرازي، حين قال عن سبب تحوله إلى مذهب الإمام مالك: "دخلتني الحمية لهذا الإمام المقبول على جميع الألسنة، أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه. فعمرت مشهد الانتساب إليه، حتى يكمل لهذا البلد فخره؛ فإن الري أجمع البلاد للمقالات والاختلافات في المذاهب، على تضادها وكثرتها"! ولكنهم نسوا أن الري ليست هي الدنيا، وأن الزمن لا يجود بأمثال الرازي إلا مرة واحدة، كبيضة الديك تماما ...
ولعلهم بحاجة إلى "تركماني" جديد، يخلصهم من "العلل المتناهية" ويسندهم بـ "معين" آخر! وقد استوعبت نصيحته علما، ولكن هل بمقدورنا التزامها عملا؟!
وفقنا الله إلى النافع من القول والعمل، وعصمنا من الخطأ والزلل. وجوزيت عنا خير الجزاء في الدارَين.
ونحن في انتظار أخينا "الفهمصيحي" ...
ـ[الجهشياري]ــــــــ[30 - 01 - 08, 03:32 م]ـ
الحمد لله وحده.
وصلتني هذه الرسالة من شيخنا الفاضل "ابن وهب". وقد سمحت لنفسي بنشرها دون استئذانه، لحكمة يدركها أولوا الألباب:
[السلام عليكم
ذكرتم
(والأشهر منه هو "القاضي عبد الجبار"، فقد كان حنفيا معتزليا.)
هو سبق ذهن أو قلم منكم
فكما لا يخفى عليكم القاضي عبد الجبار كان شافعيا معتزليا
وجزاكم الله خيرا]
بل جزاك الله عنّا كل خير؛ على اهتمامك ومتابعتك، ثم على أدبك الجم. وقد عرفناك بفوائدك المنثورة في شتى الفنون، وها نحن نتعلم منك حسن الأدب في النصيحة؛ والأدب زينة العلم. وما أحوج دقة المستدرك إلى رقة الناصح.
نعم؛ كان القاضي عبد الجبار شافعيا معتزليا، وصح الاستدراك، فوجب التنبيه.
أجزل الله لك المثوبة، شيخنا ابن وهب. منك نستفيد، ولك فضل القدوة.
بارك الله لك في المال والأهل والولد، ونفعنا بما يفيضه عليك من علم وحلم.
ـ[أبو أويس المغربي]ــــــــ[30 - 01 - 08, 04:18 م]ـ
أحسن الله إليك أخا جهشيار، وصاحب بختيار!
إن بقيت تقفو آثار *ابن فرحان* و*ابن فرحون*، ليوشكنّ أن تملأ منتدانا نَحْتًا.
ولا أظنك نسيت صاحبنا القديم البَنْدَنِيجي الشهير بـ *حَنْفَش*، الذي يذكّرني بذاك *الخنفشار*، وأكاد أجزم أنك على ذُكر من مقال ابن عقيل الظاهري الذي جمع *الحنافش* في قَرَن!
أما عن آثار الضائقة التي عصفت بـ*الفقهاء = الفقراء* من جرّاء التواء الراء وانكماشها من شدة القَرِّ والفاقة = فأنت أعلم بما أنشأه التكريتي في ابن الدهان الوجيه النحوي الحنبلي، ثم الحنفي، ثم الشافعي، وكان قاب قوسين أو أدنى من صيرورته مالكيا، لكن شطّت به عن أهل الدثور والقصور منهم الدار، وبَعُد المزار.
ومن مُبْلِغ عني الوجيه رسالة === وإن كان لا تُجْدي لديه الرسائل
تمذهبتَ للنعمان بعد ابن حنبل === وذلك لما أعوزتك المآكل
وما اخترتَ قول الشافعي تديّنا === ولكنّما تهوي الذي منه حاصل
وعما قليل لا شك أنك صائر === إلى مالك فافطنْ لِما أنت قائل
¥