تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكنت التفتُّ إلى المثلث "العبدوسي" الذي أشرتَ إليه قبل الغروب، وأنا في غاية الإرهاق، فانسدت عليّ الآفاق، ورأيته، وما رأيته؛ وكان الخاطر كمقلة البدوي الجائع ليلة الشك، إذا شهد برؤية الهلال، لا نصدقه، ولا نكذبه .. فأرجأت "النظر" إلى بركات السحر، مراهنا على "فتوحات الغيب". وأخشى ما أخشاه: أن يسبقني "عكّاشةٌ" ما إلى الجواب، فأحرَم لذة الثواب ..

ولعلك تقصد بثالث "العبدوسيين" (وظني بك لا تعتبره ثالثة الأثافي) كاتب هذه السطور. وجوابي أن الأمر كما ألمحت. فأنا: محمد بن عبدوس بن عبد الله الجهشياري. والذي يحز في نفسي ليس وفاتي مستترا في بغداد، بل الثمانين ألف دينار التي دفعتها ليفرَج عني أيام نكبتي .. وهل يصاحب "ابن مقله"، إلا مَن فقد عقله؟! بيد أن لديَّ سؤالا، وأرجو من إخواننا "الكونتيين"، المتخصصين في الأنساب، أن يجيبوني عنه؛ وهو كالتالي: ما سبب نسبتي إلى جهشيار؟ وهل هي من المدن التي خربها التتار؟ أم منصب ابتدعه بختيار؟ وما مدلولها عند الأعاجم؟

أمَّا ثاني "العبدوسيين"، فهو الحافظ الثبت محمد بن عبدوس بن كامل السلمي البغدادي السراج، المتوفى سنة 293. قال عنه ابن المنادي: "كان كالأخ لعبد الله بن أحمد بن حنبل". وذكره ابن أبي الفراء في عداد الحنابلة. لكن قيل إن "عبدوس" لقبه، واسم أبيه: عبد الجبار. وهذا ممّا قد يهدم بنية التثليث في حصر المحمدين من العبدوسيين!

وأما الأول _وأرجأته إلى الأخير إكراما للمالكية (!!) _ فهو: محمد بن إبراهيم بن عبدوس بن بشير، المتوفى سنة 260. وهو صاحب "المجموعة"، وكان من كبار أصحاب سحنون. وهو الذي "أخطأ أحد أعلام عصرنا وعدّه من التابعين"!

والعلَم الذي أخطأ هو الشاعر السوري: خير الدين الدمشقي، صاحب "ما رأيت"؛ وذلك في قاموسه الذي خصصه لتراجم أشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، حيث جاء فيه:

"ابن عبدوس (202 - 260 ه) محمد بن إبراهيم بن عبد الله، ابن عبدوس: فقيه زاهد، من أكابر التابعين. من أهل القيروان، له " مجموعة " في الفقه والحديث".

أمَّا خطؤه، فهو اعتباره "ابن عبدوس" من كبار التابعين، مع أنه وُلِد في مطلع القرن الثالث. وأما وجه خطئه، فمردُّه إلى قراءة منه خاطئة هي الأخرى لجملة أوردها القاضي في ترجمته؛ حيث قال: "قال أحمد بن زياد: ماأظن كان في التابعين مثله! " وتوقف عند هذا الحد، ولم يكمل (ربما لأنه كان في مهمة دبلوماسية، رحمه الله). ولو تمهّل قليلا، وحرَّك عينيه قليلا باتجاه اليسار، لوجد القاضي يفسِّر شهادة ابن زياد بقوله: "يعني في الفضل والزهد. وهذا غلو"!! أي: أن أفضل التابعين لا يضاهيه في الفضل والزهد.

وهذا لا ينقص من قدر صاحب القاموس، كما أنه لا يزيد من قدرنا. فقد تصدى وحده لترجمة 13435 عَلَماً، وهو عمل تنوء به الجبال الرواسي. ولم يكن متفرغا للعلم، بل كان يجاهد على جبهات شتى. رحمه الله، وأكرم مثواه.

وللأمانة العلمية، تتوجب الإشارة إلى أن مكتشف هذا الوهم هو: عبد الفتاح الحلبي الخالدي في "الصفحات". ورجائي من شيخنا أبي أويس أن يفيدنا بما يتعلق بكنية هذا العلامة، فقد حيّرتني ولم أجد لها وجها لائقا ...

ومن أغرب ما يروى عن ابن عبدوس الفقيه: أنه أقام سبع سنين يدرس، لا يخرج من داره إلا إلى الجمعة. وكان هذا قبل اختراع الأنترنت!!

وفي الختام، لدي أسئلة قد تجول في بعض الأذهان، أطرحها على سبيل المذاكرة لا الامتحان:

من هو "ابن عبدوس الجدي" الذي سمع من مالك؟ وكيف يضبط "الجدي"؟

وإذا كان عند الشافعية "محمدون أربعة"؛ فمن هو رابع المحمدين عند المالكية؟ وما هي الكرامة التي وقعت لمحمدي الشافعية؟ وهل القصة ثابتة عنهم؟ ومَن هم المحمدون الأربعة عند الإمامية؟ وماذا يقصدون بالمحمدين الأوائل؟ وما الذي يقصدونه بالمحمدين الأواخر؟ (إكراما للقاضي النعمان!)

ثم مَن هم "الشكوكية" في صفوف المالكية؟ ولماذا سمُّوا بذلك؟

وفي الأخير، لا بد مما ليس منه بد، في حق مَن غمرنا بكرم العلم والود، ألا وهو التمثل بما قال خليل في حق شيخه:

وحظي أن تعيش مدى الليالي

وأنك لا تمل وأنت تملي

عصمنا الله من الزلل والخطل، وجعلنا من المحمودين السعداء في الدنيا والآخرة

ـ[أمجد الفلسطينى]ــــــــ[31 - 01 - 08, 10:26 ص]ـ

نعم هو ابن الرومية صاحب كتاب *الحافل*.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير