ما كان ظاهر غيبته السلامة كمن كان سفره في غير مظنة مهلكة له مثل المسافر في تجارة لا خطر فيها أو المسافر في طلب العلم أو زيارة أو صلة رحم في بلد آخر أو حج أو عمرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ روضة الطالبين: 8/ 400
(7)
أما هذا الصنف من المفقودين لا تزول الزوجية بينه وبين زوجته حتى يثبت موته قطعيا. وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه كان يحكم بموته إذا قد أن عمره بلغ التسعين سنة، العلة عند الإمام أحمد في ذلك لأن الناس لا يعيشون أكثر من ذلك غالبا.
إلا أن ما عليه المذهب هو القول بعدم زوال الزوجية إلا إذا ثبت ذلك بأمر قاطع يدل عليه
القسم الثاني:
أن يكون الغائب هنا ظاهر غيبته الهلاك كالذي يخرج إلى مهلكة مثل الخارج إلى فلاة يغلب الهلاك على الخارجين إلى مثلها أو كالذي يفقد بين صفي القتال عند نشوبه فإن المفقود هنا غالب على غيبته الهلاك وكذلك الذي تنكسر فيه سفينة ببحر فالغالب هنا الغرق والهلاك أو المفقود في صحراء فغلبة الظن هنا الهلاك لانقطاع الماء والطعام فيها عادة.
فالظاهر من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن تتربص زوجة المفقود في هذه الحالات السابقة بنفسها أربع سنين ثم تعتد بعد ذلك عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام ثم تحل بعد ذلك للأزواج.
وقد روي عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى في المرأة التي يفقد زوجها بين صفي القتال أنها تتربص بنفسها سنة لغلبة الظن بهلاكه.
وقد استدل الحنابلة على قولهم هذا بقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه في زوجة المفقود، وعدم وجود مخالفة من الصحابة لقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل هذا يعد إجماعا من الصحابة رضوان الله عليهم على قضاء عمر في المسألة. (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ المغني: 8/ 131
(8)
أما الظاهرية:
أن المفقود أي كان فقده سواء علم مكانه أو لم يعلم له مكان وسواء فقد في ما يظن فيه السلامة مثل سفر التجارة أو طلب العلم أو غير ذلك مما لا يظن فيه مهلكة، أو كان فقده فيما يظن فيه الهلاك كالفقد بين صفي القتال أو انكسرت فيه سفينة أو غير ذلك وكان له زوجة وكان له مال فلا يصح عند ابن حزم وأهل الظاهر فسخ عقد الزواج بينهما بأي حال من الأحوال فهي زوجته أبدا ولا يصح فسخ الزواج إلا بثبوت موته على وجه الصحة لا الظن أو الحكم أو موت الزوجة نفسها ولا تجب العدة عندهم لأنه لا إيجاب للعدة لمن لم يصح موته.
ولا يصح كذلك عند أهل الظاهر أن يطلق أحد زوجته في حال غيابه، ولا يصح كذلك تقسم أموال المفقود على اعتبار التركة بل ينفق منها على أهله. ولا حجة عندهم بأحد إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
يتضح من خلال رأي الإمام ابن حزم رحمه الله أنه لم يأخذ بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الرغم من أن ابن حزم يصححه، وما ذلك إلا لأن الإمام ابن حزم بحسب قواعده الأصولية ليس عنده حجة إلا في القرآن والسنة الصحيحة أما غير ذلك من إجماع أو قياس أو رأي صحابي فليس عنده بحجة، ثم أن هذه المسألة مسألة اختلف فيها السلف من الصحابة فما الداعي أن يتبع أحدهم ويترك الآخر بحسب رأي ابن حزم رحمه الله تعالى.
أما الشيعة الزيدية:
فالأمر عندهم مناطه ومداره على الضرر الواقع بالمرأة من جراء الغيبة عنها ومصلحتها التي من أجلها كان الحكم عندهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ المحلى: 10/ 133 ـ 142
(9)
فبما أن امرأة المفقود يقتضي إمساكها وإلزامها في الاستمرار في نكاح هذا الزوج الغائب الضرر، فإن الضرر واقع بها لا محالة مصوغ لفسخ الزواج المؤدي إلى الضرر بالمرأة وهذا من طول الغيبة وانقطاع النكاح، فإذا جاز الفسخ للعنة، والعنة مانعة لحق المرأة بالنكاح، فإنه أولى بالفسخ لطول الغيبة وتحقق الضرر بالمرأة بترك النكاح كذلك.
ولأنه علم كذلك حرمة الإمساك بالزوجة بقصد الإضرار بما جاء في كتاب الله تعالى وصح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنهي للأزواج عن الضرار، وجب دفع الضر عن الزوجة بكل ممكن، وإذا كان دفع الضرر عن الزوجة الغائب عنها زوجها لا يتأتى ولا يمكن إلا بالحكم بالتفريق بينها وبين زوجها الغائب عنها كان ذلك جائزا بل واجب.
¥