3 – أنَّ قولكم: (يتوب) دليلٌ على أنه ارتكب ما أقرَّ به؛ لأن التوبة لا تكون إلا من ذنب – وهو هنا: الزنا – فلا نترك إقامة حدٍّ لاحتمالات قد تثبت أو لا تثبت، وإقامة الحدود في الأرض أمرها عظيم.
4 – أنه لو قُبِلَ رجوعه للزم قاتله من الصحابة ديته، كونه قُتِلَ بغيرِ حقٍّ، أو لوداه النبي – صلى الله عليه وسلم – من عند نفسه.
يرد على الجواب الأخير: أنه إنما لم يجب دية ماعز على الذين قتلوه بعد هربه لأمور منها: أن هربه ليس صريحاً في رجوعه عن إقراره، أو أنَّ هذا الحكم لم ينزل بَعْدُ.
يجاب عنه: بأنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يمكن أن يترك دمه يضيع هَدْرَاً؛ فلو كان الصحابة معذورين لوداه النبي – صلى الله عليه وسلم – من عنده؛ كما في حديث القسامة.
الدليل الثاني: ما ورد عن بُريدة – رضي الله عنه – أنه قال: كنَّا – أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – نتحدث أنَّ الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا عن اعترفهما. أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما، وإنما رجمهما عند الرابعة [22].
يرد عليه:
1 – أنَّ هذا الحديث ضعيف لا يصح.
2 – أنَّ هذا الحديث لو صحَّ: فهو خاصٌ بمن أقبل تائباً ويريد أن يعرف ما يجب عليه، لا فيمن يقبض عليه متلبساً بجرمه أو دلت على ارتكابه لهذا الجريمة قرائن أَدَّت إلى اعترافه.
3 – أنَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – له مقامات؛ كمقام النبوة، ومقام الحاكم، ومقام المفتي ... فلعله لم يُرِد أنْ يجعل نفسه في مقام الحاكم في ذلك الوقت، وإنما في مقام المفتي والمُعَلِّم.
الدليل الثالث: أنَّ أبا أمية المخزومي ذكر: أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أُتِيَ بلصٍّ، فاعترف اعترافاً، ولم يوجد معه المتاع. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " ما إخالك سرقت ". قال: بلى. ثم قال: " ما أخالك سرقت ". قال: بلى. فأمر به فقطع. فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: " قل: أستغفر الله، وأتوب إليه ". قال: أستغفر الله، وأتوب إليه. قال: " اللهم تب عليه " مرتين [23].
يرد عليه:
1 – أنَّ هذا الحديث لا يصح.
2 – يحتمل أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – شكَّ في كونه سارقاً حقيقةً، وخاصةً أنه لم يظهر هناك أي قرينة تدل على سرقته من وجود المتاع ونحو ذلك.
الدليل الرابع: أنَّ هذا القول هو ما كان يقضي به الخلفاء الراشدون، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " [24]، وقد ورد عنهم ما يلي:
أ – ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (18919): عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: كان من مضى يؤتى أحدهم بالسارق فيقول: أسرقت؟ قل: لا! أسرقت قل: لا! علمي أنه سمى أبا بكر وعمر.
وأخبرني: أن علياً أُتِيَ بسارقين معهما سرقتهما، فخرج فضرب الناس بالدِّرَّة حتى تفرقوا عنهما ولم يدع بهما، ولم يسأل عنهما. [25]
يرد عليه:
1 – أنَّ هذا الأثر لا يصح.
2 – على فرض التسليم بصحته: فليس فيه أنَّ هذا السارق أقرَّ بسرقته، وإنما الذي يظهر أنَّ هذا قبض عليه متلبساً بالجريمة أو اشتبه في كونه سارقاً؛ فهذا دليل على جواز تلقين المتهم الحجة لا على جواز الرجوع عن الإقرار.
ب – ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (28579) قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد قال: أُتِيَ عمر بسارق قد اعترف. فقال عمر: إني لأرى يدَ رجلٍ ما هي بيد سارق. قال الرجل: والله ما أنا بسارق! فأرسله عمر ولم يقطعه. [26]
يرد عليه:
1 – أنَّ هذا الأثر لا يصح.
2 – على التسليم بصحته: فهذا المتهم لم يُقرَّ أمام الحاكم بالسرقة.
3 – ثم ثانياً: هذا دليل على أنَّ الحاكم إذا شكَّ في صحة إقرار المتهم – بفراسته أو قرينة – فعليه أن يتأكد من صحة هذا الإقرار، فإذا تبيَّن له عدم صحته اعتبر هذا الإقرار لاغياً، وهذا لا نخالفكم فيه؛ لكنه ليس موطن النزاع بيننا.
¥