5 – أنَّ كون المتهم يكذب في رجوعه عن إقراره أقرب من كونه يكذب في إقراره؛ لأنه بعيدٌ أن يقر الإنسان على نفسه أنه زنا وهو لم يَزْنِ، لكنه قريبٌ أن يرجع عن إقراره إذا رأى أنه سيقام عليه الحد.
الدليل السادس: أن الإقرار إحدى بينتي الحد، فيسقط بالرجوع عنه؛ كالبينة إذا رجعت قبل إقامة الحد.
يرد عليه:
أنَّ هذا قياسٌ مع الفارق؛ وذلك: أنَّ الحدَّ الذي يثبت عن طريق الشهادة يحتمل فيه الصدق والكذب من الشهود إمَّا خطأً أو عداوةً؛ بخلاف إقرار الإنسان على نفسه.
القول الثالث: أن رجوع المقر عن إقراره في الحدود إذا كان لِشُبْهَةٍ قُبِلَ رجوعه [33]، وإذا كان لغير شبهة لم يقبل، وهذا هو قول مالكٍ في روايةٍ [34] واختاره بعض المالكية [35]، وذكره بعض الشافعية [36].
أدلتهم:
أن الرجوع عن الإقرار إذا كان لشبهةٍ قُبِلَ لقوله – صلى الله عليه وسلم –: " ادرؤوا الحدود بالشبهات " [37]، وأمَّا إذا كان لغير شبهة فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: " يا أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يُبْدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله " [38].
تعقيب: بالتأمل في هذا القول ظهر لي أنه في حقيقته راجعٌ إلى القول الأول، وذلك: أنَّ الفقهاء الذين نَصَّوا على عدم قبول رجوع المقرِّ عن إقراره لم أجد فيهم من يُخَالف في كون المقر لو أَقَرَّ عن إكراهٍ [39] – مثلاً – وهو شبهة = أنه يقيم عليه الحد بناءً على هذا الإقرار؛ بل يعتبر إقراره ذلك لاغياً غير معتبر.
وتقدير كون هذه شبهة مقبولة من عدمها راجعٌ إلى اجتهاد الحاكم ونظره؛ والله أعلم.
المسألة الثانية: الرجوع عن الإقرار في التعازير، ويدخل في ذلك حقوق الله التي لا تدرأ بالشبهات:
المسألة الثالثة: الرجوع عن الإقرار في حقوق الآدميين.
قال ابن قدامة في المغني (5/ 96): فأما حقوق الآدميين، وحقوق الله التي لا تدرأ بالشبهات – كالزكاة والكفارات – فلا يقبل رجوعه عنها، ولا نعلم في هذا خلافاً.
حرر في يوم الثلاثاء الموافق 12/ 5 / 1428هـ
والحمد لله أولاً وآخراً.
اضغط هنا للذهاب إلى تخريج زيادة: " هلا تركتموه .... ". ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103710)
___
[1] كتبت هذا قبل أن أطلع على بحث نُشِرَ في مجلة العدل في عددها (11) لعام 1422 هـ، للشيخ راشد بن فهد آل حفيظ.
[2] قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في التعليق على السياسة الشرعية (ص 206):
فصار عندنا ثلاث مسائل:
الأولى: ما ثبت ببينة؛ فإنه لا تقبل توبته بعد القدرة عليه، أما قبل القدرة عليه فتقبل.
الثانية: ما ثبت بإقرار بأن جاء هو بنفسه مقراً، ولكنه تائب؛ فلإمام الخيار بين أن يقيم الحد عليه، أو لا يقيمه؛ إلا إذا اختار الفاعل الذي فعل ما يوجب الحد إقامة الحد ... فهنا نقيم الحد عليه ...
الثالثة: إذا أقرَّ ثم رجع عن الإقرار؛ ففيه للعلماء ثلاثة أقوال:
قبول الرجوع مطلقاً،
وعدم قبول الرجوع مطلقاً،
والثالث التفصيل.
وعدم قبول توبته إنما هو في الظاهر أمامنا، أما عند الله فتقبل ما لم تكن توبةَ مكرهٍ. اهـ
[3] نقله صاحب الشرح الكبير في (26/ 313).
[4] نقله صاحب الشرح الكبير في (26/ 313).
[5] نقله صاحب الشرح الكبير في (26/ 313).
[6] قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (3/ 949): وظاهر طريقة أبي بكر – غلام الخلال – أنه يُفَرِّقُ بين التوبة قبل أنْ يُقِرَّ – بأن يجيء تائباً – وبين أن يُقِرَّ ثم يتوب؛ لأن أحمد – رضي الله عنه – إنما أسقط الحدَّ عمن جاء تائباً، فأما إذا أقرَّ ثم تاب فقد رجع أحمد عن القول بسقوط الحد.
[7] نقله عنه صاحب الشرح الكبير في (26/ 560) في باب حد السرقة.
[8] المحلى (7/ 100).
[9] قال في الاختيارات (532): ... وسر المسألة أن الرجوع عن الدعوى مقبول، والرجوع عن الإقرار غير مقبول، والإقرار الذي لم يتعلق به حق لله ولا حق للآدمي = هو من باب الدعاوى فيصح الرجوع عنه اهـ. ويرى أنَّ التائب المقر لا يقام عليه الحد إذا كانت توبته قبل إقراره إلا إذا طلبه كما في مجموع الفتاوى (16/ 31)، (28/ 301).
¥