تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأمر الأول: أن الأصل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يفتي بظاهر الحال وقد بين ابن أم مكتوم 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه يجد مشقة في ذلك وهذه الأعذار مسقطة للجماعة بالإجماع، وهو صادق فيما يخبر به بدليل حرصه على الخير وطلب الرخصة وإلا لتخلف كحال المنافقين وقد طلب العذر أيضاً في مسألة الجهاد فعذره الله ورسوله ونزل في ذلك آيات العذر، وقد استأمنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الآذان واستخلفه أكثر من مرة يؤم المسلمين إذا خرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لغزواته، وهذا يدل على صدقه وإيمانه وتزكية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - له.

الأمر الثاني: أن الأصل في التكاليف والرخص العموم بغض النظر عن تحمل المشقة من مكلف إلى مكلف؛ لأنه من المعلوم تفاوت الخلق في التحمل لكن الرخص جاءت عامة بدون تخصيص.

كما أني لم أر من قال بهذا القول وإنما ذكره الشوكاني فقال: قال بعضهم.

ومع هذا فإن هذا القول له وجاهة من وجهين:

الوجه الأول: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - علم من حال ابن أم مكتوم أنه لا يشق عليه ذلك وأن المشقة متوهمة ومتوقعة وغير واقعة وذلك لقرب دار ابن أم مكتوم من المسجد وبيان ذلك:

أن ابن ام مكتوم 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قدم مهاجرا إلى المدينة قيل مع مصعب بن عمير وقيل بعد غزوة بدر وقيل غير ذلك ولما قدم المدينة سكن الصفة ثم أسكنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دار مخرمة بن نوفل 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كما ذكر ابن حبان في الثقات (3/ 214) وابن سعد في الطبقات (4/ 205) وأبو نعيم في الحلية (2/ 4) و دار مخرمة بن نوفل 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - تسمى دار الغذاء أو دار القراء وهي تقع في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد بجوار دار مليكة رضي الله عنها والتي هي _ أي دار مليكة _ أساسا دار عبد الرحمن بن عوف 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وبقرب دار عبد الرحمن بن عوف 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الكبير، ودار أم حبيبة رضي الله عنها.

ودار مخرمة بن نوفل قد أدخلها المهدي في توسعته للمسجد النبوي وهي تبعد نحوا من (100) متر عن المسجد وذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسع المسجد بعد خيبر من الجهة الشمالية بنحو (20) مترا ثم وسعه عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - من الجهة الشمالية بنحو (10) أمتار ثم وسعه عثمان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - من الجهة الشمالية بنحو (5) أمتار ثم وسعه الوليد بن عبد الملك من الجهة الشمالية بنحو (20) مترا ثم وسعه المهدي من الجهة الشمالية بنحو (35) متراً.

وهذه المسافة قصيرة لا سيما إذا علمنا أن ابن أم مكتوم 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قد شارك في معركة القادسية وقاتل مما يدل على قدرته البدنية.

وهذا بخلاف عتبان بن مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - فإنه سلمي يسكن مع قومه بني سالم بعيدا عن المسجد النبوي ولذلك روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر إزاره، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أعجلنا الرجل فقال عتبان: يا رسول الله أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إنما الماء من الماء ".

الوجه الثاني: أن ابن ام مكتوم 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان أعمى من صغره وهذا بخلاف عتبان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الذي عمي عن كبر وفرق بين الأمرين والواقع يشهد أن من كان أعمى من صغره فإنه يكون قوي الحدس يمكنه المشي بدون قائد ولا يحتاج في كثير من أموره إلى خدمة أحد بخلاف من عمي بعد أن كان مبصرا فهو لا يحسن أن يقوم بأعماله لوحده، وبناء على هذا فقد يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يرخص له بناء على أنه يمكنه القيام بذلك دون الحاجة دائما إلى قائد وأن ما يذكره من مشقة يمكنه ان يتحملها؛ لأنه اعتاد على ذلك من صغره. والله أعلم.

ثم لا يبعد أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد علم أو رأى أنه يصلح أن يكون مؤذنا له، وقد يكون جعله مؤذنا حثا له على حضور الجماعة وتحمل المشقة والله أعلم.

تنبيه: قد وسع عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - المسجد من الجهة الجنوبية خمسة أمتار والغربية عشرة أمتار والشمالية خمسة عشر مترا، ووسع عثمان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - من الجهات الثلاث أيضا ولم يتعرض للجهة الشرقية.

وأما الوليد بن عبد الملك فوسع من الجهات الأربع كلها وأدخل الحجرات،

وأما المهدي فوسع من الجهة الشمالية فقط، وقد ذكرت قبل ما يهمنا من مراحل التوسعة من الجهة الشمالية فقط وهي جهة دار ابن أم مكتوم 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير