هذا القول قاله ابن تيمية عليه رحمة الله تفقهاً وفهماً، وليس هناك نص من الشارع بأن ربا الفضل تحريمه من باب تحريم الوسائل، وسد الذرائع، ولو تأمل الباحث في النصوص الورادة في ربا الفضل لم يجد ما يدعم هذا الفهم. والفهم غير معصوم، فإذا جاء النص من الشارع على أن المنع إنما كان من باب سد الذرائع سلم الباحث ذلك بلا نزاع، كما في قوله تعالى: ? ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ?. فهنا نص الشارع على أن النهي حتى لا يفضي إلى مفسدة أكبر.
فإذا تأملت نصوص ربا الفضل وجدت أن تحريمه تحريم مقاصد، وأنه محرم تحريم أصالة، وليس محرماً لغيره.
لما رواه البخاري، ومسلم من طريق معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر،
أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: جاء بلال بتمر برني، فقال له النبي ?: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي ?، فقال النبي ? عند ذلك: أوه أوه عين الربا عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتره به ([66] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn66)).
فقوله ?: (عين الربا) وتكرار ذلك، والنهي عن الفعل كل ذلك يدل صراحة على أن ربا الفضل تحريمه تحريم مقاصد، وليس تحريمه من باب الوسائل، كما قال بعض أهل العلم والفضل.
قال القاضي عياض في إكمال المعلم: «قوله (عين الربا) أي هو الربا المحرم نفسه من الزيادة، لا ما يشبهه ويغامر عليه» ([67] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn67)).
وقال الحافظ في الفتح: «مراده بعين الربا: نفسه» ([68] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn68)).
وقال العيني في عمدة القارئ: «أي هذا البيع نفس الربا حقيقة» ([69] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn69)).
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: «أوه عين الربا. قال أهل اللغة: هي كلمة توجع وتحزن، ومعنى عين الربا: أنه حقيقة الربا المحرم» ([70] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn70)).
وفي حاشية السندي على النسائي: «أي هذا العقد نفس الربا الممنوعة، لا نظيرها وما فيه شبهتها» ([71] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn71)).
ويقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله في فتاويه: «ذكر ابن القيم أن ربا الفضل حرم تحريم الذرائع، وأن ربا النسيئة حرم تحريم المقاصد، فكان تحريم ربا الفضل وإن كان من الكبائر أخف من تحريم ربا النسيئة ... ».
وقال ? عن ربا الفضل كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: (ويلك أربيت) ([72] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn72)).
وقال ? أيضاً كما في حديث أبي هريرة في مسلم (من زاد أو استزاد فقد أربى) ([73] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn73)).
ومن حديث أبي سعيد الخدري في مسلم: من زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء ([74] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn74)).
فإذا كان ربا الفضل هو عين الربا، ومن وقع فيه فقد أربى، والربا له حقيقة شرعية، فإذا قيل: هذا عين الربا لم يكن لمسلم أن يقول: إن ربا الفضل ليس تحريمه تحريم مقاصد.
وكون ربا النسيئة أشد تحريما من ربا الفضل لا يعني أن ربا الفضل ليس من الكبائر، فإنه داخل في جنس الربا وعمومه، ولا يعني أيضاً أن تحريمه من باب سد الذرائع، وآيات وأحاديث الوعيد التي وردت في الربا تصدق على ربا الفضل كما تصدق على ربا النسيئة، لأن الشرع أطلق عليه أنه ربا، وأنه عينه وذاته ونفسه.
¥