تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى البخاري عن زيد بن جالد الجُهَنِي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خَلَفَ غازياً في أهله وماله بخير فقد غزا). وقد غزا رسول الله سبعاً وعشرين غزوة في تسع سنين قاتل في ثمان منها بنفسه وهي: بدر وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر وحنين والطائف وكان الجهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض كفاية فإذا فعله البعض سقط الفرض عن الباقين قال تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً) [النساء: 95].ففاضل سبحانه وتعالى بين المجاهدين والقاعدين والمفاضلة لا تكون إلا بين جائزين ولو كان القاعد تاركاً لفرض لَمَا وعِدَ بالحسنى وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج بنفسه تارة ويبعث بالسرايا تارة فدل ذلك على أنه ليس فرضاً على الأعيان وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني لحيان وقال: (ليخرج من كل رجلين رجلُُ ويَخْلُفِ الآخر الغازي في أهله وماله). وقال: (أيكم خَلَفَ الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج) أخرجه سعيد ابن منصور في سننه عن أبي سعيد الخدري. وقيل عين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً) [التوبة: 39].

وأما القاعدون في المدينة فقد كانوا حراساً لها والحراسة نوع من الجهاد ويجاب على هذا بأن الوعيد في الآية إنما كان لأشخاص عينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للجهاد لأن الإمام إذا عين شخصاً للقيام بغرض الكفاية يتعين عليه ولا يجوز له إنابة غيره فيه ولا أخذ أجرة عليه وأما بعده أي بعد النبي صلى الله عليه وسلم فللكفار حالان أحدهما يكونون ببلادهم مستقرين غير قاصدين شيئاً من بلاد المسلمين ففرض كفاية إجماعاً دلَّ على ذلك سيرة الخلفاء الراشدين ويحصل بشحن الثغور بالمقاتلين والعتاد والثغور هي محال الخوف التي تلي بلاد الكفار ويتولى ذلك أمراء مؤتمنون مشهورون بالشجاعة والنصح للمسلمين كما يحصل فرض الكفاية بأن يدخل الإمام أو نائبه دار الكفار بالجيوش لقتالهم إخماداً لشوكتهم وإظهارهم لعجزهم عن الظفر بشيء من بلادنا قال تعالى: (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) [التوبة: 162]، قال مجاهد: نزلت في الجهاد وقد فعله صلى الله عليه وسلم فلم يترك الجهاد في سنة من سنوات حياته منذ أذن له في ذلك فكانت بدر الكبرى في الثانية وأحد وبني النضير في الثالثة والخندق في الرابعة وذات الرقاع ودُمَة الجندل وبني قريظة في الخامسة والحديبة وبني المصطلق في السادسة وخيبر في السابعة ومؤتة وذات السلاسل وفتح مكة وحنين والطائف والثامنة وتبوك في التاسعة وتوفي صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الاثنين لاثنا عشر خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. وكانت حجة الوداع في السنة العاشرة وفيها نزلت (اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) [المائدة: 3].

إذا فعله من فيهم كفاية سقط عن الباقين لأن هذا شأن فروض الكفاية ويأثم الجميع بترك فرض الكفاية حيث كانوا من أهل الوجوب.

ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحُجَجِ العلمية وهي البراهين على إثبات الصانع عز وجل وما يجب له من صفات وما يستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات للأنبياء وعلى إثبات ما ورد الشرع به من إثبات البعث والحساب والقامة والجنة والنار.

وحل المشكلات في الدين ودفع الشُبَهِ عنه ومعرفة أمراض القلوب وحدودها وأسبابها كالحسد والرياء والكبر. وبعلوم الشرع كتفسير وحديث فمن فروض الكفاية القيام بعلوم الشرع ويدخل في ذلك التفسير والحديث وما يتعلق بهما من علم العربية كعلم النحو والصرف والاشتقاق والمعاني والعروض وغير ذلك.

والفروع الفقيه زائداً على ما لا بد منه بحيث يصلح للقضاء والفتيا لشدة الحادجة إلى ذلك فإن قدر على الترجيح دون الاستنباط فهو مجتهد الفتوى وإن قدر على الاستنباط من قواعد إمامه وضوابطه فهو مجنهد المذهب وإن قدر على الاستنباط من الكتاب والسنة فهو المجتهد المطلق ويجب تعدد المفتي بحيث يكون في كل مسافة قصر واحد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير