تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عقدها لكفار إقليم يختص بالإمام أو نائبه فيها وقوله إقليم أي منطقة معينة أو دولة معينة أو أمة معينة وأما ترك الأمر في الهدنة للإمام أو لنائبه لأن ذلك من الأمور العظام التي تتعلق بها مصلحة المسلمين فلا يجوز لآحاد الرعية عقدها ولبلدة معينة يجوز لوالي الإقليم التي بجواره تلك البلدة أو كانت تلك البلدة من الإقليم عقدها أيضاً لأنها من توابع إقليمه وأن المفسدة في ذلك قليلة ولو أخطأ الوالي.

وإنما تعقد الهدنة لمصلحة فإن كان الإمام غالياُ لعدو وظاهراً عليه ولم يرَ مصلحة في عقد الهدنة لم يجز له ذلك قال تعالى: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) محمد35.

وقال تعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) التوبة41، وقال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر) التوبة29.

فإن لم يكن مصلحة جازت الهدنة أربعة أشهر لا سنة وكذا دونها أي دون أربعة أشهر في الأظهر وذلك إذا رأى الإمام مع ظهوره على عدوه أنهم في الهدنة ممكن أن يُسْلِمُوا أو يبذلوا الجزية أو يعينوه على قتال عدو آخر له جاز له أن يعقد الهدنة أربعة أشهر فما دونها. قال تعالى: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) التوبة2. وروى البيهقي من طريق ابن شهاب (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة هرب منه صفوان بن أمية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (سِحْ في الأرض أربع أشهر)).

ولضعف في المسلمين تجوز الهدنة عشر سنين فقط والضعف إما لقلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم أو لقلة ما في أيدي المسلمين من المال والمتاع الذي تحتاج إليه الحرب. فقد روى البخاري عن المسور بن مخرمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح سهيل بن عمرو بالحديبية على وضع القتال عشر سنين) وما زاد على الجائز بأن زاد في حال قوتنا على أربعة أشهر وفي حال ضعفنا على عشر سنين فقولا تفريق الصفقة لأنه جمع في العقد الواحد بين ما يجوز العقد عليه وما لا يجوز فقيل يبطل في الزائد فقط. وإطلاق العهد يفسده أي إخلاء العقد من المدة يفسد وكذا يفسده شرط فاسد على الصحيح بأن شرط منع فك أسرانا منهم أو ترك مالنا أي مال المسلمين في أيديهم لهم وذلك عند استيلائهم عليه لأنه مال مأخوذ بغير حق فلم يملكوه أو لتعقد لهم ذمة بدون دينار أو بدفع مال إليهم لأن كل ذلك منافٍ لعزة الإسلام. قال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتُلُون ويُقتَلُون وعداً عليه حقاً في التوارة والإنجيل والقرآن) التوبة11. قال الشافعي (فأخبر الله تعالى: أن المؤمنين إذا قُتِلوا أو قتلوا استحقوا الجنة فاستوى الحالتان في الثواب فلم يجز دفع العوض لدفع الثواب ولأن في ذلك إلحاق صغار بالمسلمين فلم يَجز من غير ضرورة).

فإن كان هناك ضرورة بأن أخذ المشركون أسرى يعذبونهم أو لإحاطتهم بنا وخفنا من لك الاسئصال لنا وجب بذل المال ولكن لا يملكونه لفساد العقد حينذ. فقد روى الطبراني والبزار من طريق عثمان بن عثمان الغطفاني عن أبي هريرة (أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغه تألب العرب واجتماع الأحزاب قال للأنصار: إن العرب قد رمتكم على قوس واحدة فهل ترون أن ندفع إليهم شيئاً من ثمار المدينة، قالوا: يا رسول الله إن قلت عن وحي فسمع وطاعة وإن قلت عن رأي فرأيك متبع، كنّا لا ندفع إليهم ثمرة إلا بشرى أو قرى ونحن كفار فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام فَسُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم).

وتَصِحُ الهدنة على أن ينقضها الإمام متى شاء فقام هذا القيد مقام تعين المدة في الصحة. فقد روى البخاري عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل خيبر (أقركم ما أقركم الله تعالى)) قال الشافعي رحمه الله: ولو قال الإمام الآن هذه اللفظة لم يجز لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم ما عند الله بالوحي بخلاف غيره. ومتى صحت الهدنة وجب علينا الكف ودفع الأذى من مسلم أو ذمي عنهم وفاء بالعهد. قال تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) الإسراء 34. حتى تنقضي مدتها أو ينقضوها بتصريح منهم أو قتالنا أو مكاتبة أهل الحرب بعورة لنا. قال تعالى: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) التوبة7. فدلَّ هذا على أنهم إذا لم يستقيموا لنا لم نستقم لهم. ولقد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة فأعان بعضهم أهل مكة على حرب النبي صلى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير