أحدهما دعاء المصلى المنفرد كدعاء المصلى صلاة الاستخارة وغيرها من الصلوات ودعاء المصلي وحده إماما كان أو مأموما والثاني دعاء الإمام والمأمومين جميعا فهذا الثاني لا ريب أن النبي r لم يفعله في أعقاب المكتوبات كما كان يفعل الأذكار المأثورة عنه إذ لو فعل ذلك لنقله عنه
أصحابه ثم التابعون ثم العلماء كما نقلوا ما هو دون ذلك ولهذا كان العلماء المتأخرون في هذا الدعاء على أقوال:
منهم من يستحب ذلك عقيب الفجر والعصر كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب أبى حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم.
لم يكن معهم في ذلك سنة يحتجون بها وإنما احتجوا بكون هاتين الصلاتين لا صلاة بعدهماومنهم من استحبه أدبار الصلوات كلها وقال لا يجهر به إلا إذا قصد التعليم كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب الشافعي وغيرهم وليس معهم فى ذلك سنة إلا مجرد كون الدعاء مشروعا وهو عقب الصلوات يكون أقرب إلى الإجابة وهذا الذي ذكروه قد اعتبره الشارع في صلب الصلاة فالدعاء فى آخرها قبل الخروج مشروع مسنون بالسنة المتواترة وبإتفاق المسلمين بل قد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن الدعاء في آخرها واجب وأوجبوا الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم آخر الصلاة بقوله إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال رواه مسلم وغيره.
وكان طاووس يأمر من لم يدع به أن يعيد الصلاة وهو قول بعض أصحاب أحمد وكذلك في حديث ابن مسعود ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه وفى حديث عائشة وغيرها أنه كان يدعو في هذا الموطن والأحاديث بذلك كثيرة.
والمناسبة الاعتبارية فيه ظاهرة فإن المصلى يناجي ربه فما دام في الصلاة لم ينصرف فإنه يناجى ربه فالدعاء حينئذ مناسب لحاله أما إذا انصرف إلى الناس من مناجاة الله لم يكن موطن مناجاة له ودعاء وإنما هو موطن ذكر له وثناء عليه فالمناجاة والدعاء حين الإقبال والتوجه إليه في الصلاة أما حال الانصراف من ذلك فالثناء والذكر أولى
وكما أن من العلماء من استحب عقب الصلاة من الدعاء مالم ترد به السنة فمنهم طائفة تقابل هذه لا يستحبون القعود المشروع بعد الصلاة ولا يستعملون الذكر المأثور بل قد يكرهون ذلك وينهون عنه فهؤلاء مفرطون بالنهى عن المشروع أولئك مجاوزالأمر بغير المشروع والدين إنما هو الأمر بالمشروع دون غير المشروع وأما رفع النبي يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحه وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة والله أعلم إهـ (1) د المجموع22/ 512 - 519.
_
قال ابن تيمية: ومنهم من يراه -أي مشروعية الدعاء والذكر - في صلاة الفجر والعصر كما ذكر ذلك من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم، وليس مع هؤلاء بذلك سنة وإنما غايتهم التمسك بلفظ مجمل أو بقياس، كقول بعضهم ما بعد الفجر والعصر ليس بوقت صلاة فيستحب فيه الدعاء. ومن المعلوم أن ما تقدمت به سنة رسول الله r الثابتة أو الصحيحة بل المتواترة لا يحتاج فيه إلى مجمل ولا إلى قياس. [مجموع الفتاوى500/ 22، 512، 517.]
وقال ابن تيمية:
ولو دعاء الإمام والمأموم أحياناً عقيب الصلاة لأمرعارض، لم يعد هذا مخالفاً للسنة، كالذي يداوم عن ذلك. [مجموع الفتاوى 22/ 513]
وقال أيضا: وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس بل هذا إبتداع دين لم يأذن الله به بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب وأما إتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكرغير شرعي فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد. [مجموع الفتاوى 22/ 511]
وقال ابن القيم:وَأَمّا الْمَوَاضِعُ الّتِي كَانَ يَدْعُو فِيهَا فِي الصّلَاةِ فَسَبْعَةُ مَوَاطِنَ أَحَدُهَا: بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي مَحَلّ الِاسْتِفْتَاحِ.
¥