-والكفارة مرتبة: فيجب إعتاق عبد مؤمن وما به عيب يخل باكتسابه فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين ومعلوم أن الشهرين غير اليوم الذي يقضيه عن اليوم الذي أفسده، ولو أفطر يوما ولو بعذر كسفر ومرض انقطع التتابع ووجب الاستئناف فيعيد الصوم من أوله ولو بإفطار اليوم الأخير فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا أي تمليك ستين مسكينا وليس المراد أن يجعل ذلك طعاما ويطعمهم إياه فلو غداهم أو عشاهم
لم يكف ولا يجوز إطعام كفارته لعياله كالزكوات وسائر الكفارات لكل مسكين مد
مما يجزئ في صدقة الفطر.
فإن عجز عن الجميع استقرت الكفارة في ذمته فإذا قدر بعد ذلك على خصلة من خصال الكفارة فَعَلَهَا وإن قدر على أكثر من خصلة رتبها لأنها استقرت في ذمته مرتبة.
قال:
وَمَنْ يَمُتْ بِلاَ قَضَا إِنْ قَصَّرَا ... كَانَ الْوَلِيُّ بَعْدَهُ مُخَيَّرَا
إِنْ شَاءَ صَامَ صَوْمَهُ أَوْ أَطْعَمَا ... عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّ حَبٍّ قَدَّمَا
أي من مات مسلما وعليه صيام من رمضان أو نذر أو كفارة قبل إمكان القضاء بأن استمر مرضه أو سفره المباح إلى موته فلا تدارك للفائت بالفدية ولا بالقضاء لعدم تقصيره ولا إثم به وهذا لمن به عذر أما غير المعذور وهو المتعدي بالفطر فإنه يأثم ويتدارك عنه بالفدية وإن مات بعد التمكن من القضاء ولم يقض أطعم عنه وليه لكل يوم مد طعام وهو القول الجديد، وفي القديم يجوز لوليه أن يصوم عنه بل يندب له
ويجوز له الإطعام وهو الأظهر المفتى به للأخبار الصحيحة. ثم قال:
وَجَائِزٌ لِلشَّخْصِ في سِنِّ الْكِبَرْ ... تَرْكُ الصِّيَامِ إِنْ تَحَقَّقَ الضَّرَرْ
وَلاَ قَضَاءَ بَلْ تَعَيَّنَ الأَدَا ... عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدُّ حَبٍّ لِلْفِدَا
الشيخ والعجوز والمريض الذي لا يُرجى برؤه إن عجز كل منهم عن الصوم بأن كان يلحقه به مشقة شديدة يفطر ويطعم إن كان حرا عن كل يوم مدا. قال:
وَحَامِلٌ وَمُرْضِعٌ تَضَرَّرَتْ ... بِصَوْمِهَا أَوْ ضَرِّ طِفْلٍ أَفْطَرَتْ
وَإِنْ يَكُنْ خَوْفًا عَلَى طِفْلٍ وَجَبْ ... مَعَ الْقَضَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدُّ حَبّْ
الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء بلا فدية وإن خافتا على أولادهما فقط أفطرتا وعليهما القضاء والكفارة وهذا إذا كانتا مقيميتين صحيحتين أما لو كانتا مسافرتين وأفطرتا بنية الترخص بالسفر أو المرض فلا فدية عليهما وإن لم تنويا الترخص ففي وجوب الفدية وجهان. قال:
وَفِطْرِ ذِيْ تَمَرُّضٍ وَذِيْ سَفَرْ ... قَصْرٍ مُبَاحٌ وَالْقَضَا لَمْ يُغْتَفَرْ
يباح للمريض والمسافر الإفطار في رمضان. قال في كفاية الأخيار: اعلم أن غلبة الجوع والعطش كالمرض.
أما المسافر فشرط الإباحة له أن يكون سفره طويلا مباحا فلا يترخص في القصير ولا في السفر بالمعصية لأن الرخص لا تناط بالمعاصي.
تنبيه: لو أصبح مقيما ثم سافر فلا يفطر لأنها عبادة اجتمع فيها السفر والحضر فغلب جانب الحضر.
ثم إن الأفضل في حق المسافر ينظر: إن لم يتضرر فالصوم أفضل وإن تضرر فالفطر أفضل. قال:
وَكُلُّ شَخْصٍ بِالْقَضَا تَأَخَّرَا ... حَتَّى أَتَى شَهْرُ الصِّيَامِ كَفَّرَا
وَعِدَّةُ الأَمْدَادِ كَالأَيَّامِ ... وَكُرِّرَتْ تَكَرُّرَ الأَعْوَامِ
قال في الإقناع: يتكرر المد إذا لم يخرجه بتكرر السنين لأن الحقوق المالية لا تتداخل.
فائدة: المد: يساوي: 439غ. قال:
بَابُ الاِعْتِكَافِ
هو لغة: اللبث والحبس، وشرعا: اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية. قال:
وَالاِعْتِكَافُ سُنَّةٌ وَلْيُعْتَبَرْ ... وُجُوْبُهُ في حَقِّ مَنْ لَهُ نَذَرْ
وَلَيْسَ مِنْ شُرُوْطِهِ الصِّيَامُ ... بَلْ شَرْطُهُ التَّمْيِيْزُ وَالإِسْلاَمُ
وَلُبْثُهُ بِمَسْجِدٍ وَالنِّيَّهْ ... وَلْيَنْوِ في مَنْذُوْرِهِ الْفَرْضِيَّهْ
وَبِالْجُنُوْنِ وَالْجِمَاعِ يَبْطُلُ ... كَذَا بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ يَحْصُلُ
وَبِالْخُرُوْجِ يَبْطُلُ الْمَنْذُوْرُ ... لَكِنْ لِعُذْرٍ يَخْرُجُ الْمَعْذُوْرُ
والاعتكاف سنة ولعتبر وجوبه على من نذره على نفسه ولا يشترط فيه الصيام بل يستحب خروجا من خلاف من أوجبه فيه. و أركانه:
الأول: النية: وتجب نية فرضية في نذره ليتيمز عن النفل وإن أطلق الاعتكاف بأن لم يُقَدِّر له مدة كفته نيته وإن طال مكثه لكن لو خرج من المسجد بلا عزم على العود وعاد جددها فإن عزم على العود كانت هذه قائمة مقام النية.
الثاني: اللبث: أي إقامة بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه
فلا يكفي قدرها ولا يجب السكون بل يكفي التردد.
الثالث: في المسجد: فلا يصح في غيره.
الرابع: المعتكِف: وشرطه: إسلام وعقل وخلو عن حدث أكبر.
ولا يخرج من المسجد في الاعتكاف المنذور إلا لحاجة الإنسان من بول وغائط وما في معناهما كغسل جنابة أو عذر من حيض أو نفاس فتخرج المرأة من المسجد لأجلهما
أو من مرض لا يمكن المقام معه في المسجد بأن كان يحتاج لفرش وخادم وطبيب.
ويبطل الاعتكاف بالوطء مختارا ذاكرا له عالما بالتحريم وأما مباشرة المعتكف بشهوة تبطل اعتكافه إن أنزل وإلا فلا.
تتمة: يستحب الإكثار من صوم التطوع وهل يكره صوم الدهر؟ قال البغوي: نعم
وقال الغزالي: مسنون، وقال الأكثرون إن خاف ضررا أو فوت حق كره وإلا فلا.
ويكره إفراد يوم الجمعة بصيام وكذا السبت أو الأحد. ويحرم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه.
ومن تلبس بصوم تطوع أو صلاة نافلة فله قطعهماولا قضاء عليه لكن يستحب.
ليلة القدر: مال الشافعي رضي الله تعالى عنه إلى أنها ليلة الحادي والعشرين
أو الثالث والعشرين وقال ابن عباس وأُبَيّ: هي ليلة سبع وعشرين، وهو مذهب أكثر أهل العلم. ومن علاماتها: أنها طلقة لا حارة ولا باردة وتطلع الشمس في صبيحتها بيضاء ليس فيها كثير شعاع ويندب أن يكثر في ليلتها من قول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. وأن يجتهد في يومها كما يجتهد في ليلتها وخصت بها هذه الأمة وهي باقية إلى يوم القيامة ويسن لمن رآها أن يكتُمَهَا. والله تعالى أعلم
¥