لا يعني هذا أننا ندعو إلى التقليد، لا والله، بل فرض طالب العلم المتأهل الاجتهاد، الاجتهاد حسب القدرة والطاقة، وإلا الاجتهاد المطلق لو قيل باستحالته لما بعد، وقد أغلقه الأئمة من قديم، أغلقه العلماء، أغلقوا باب الاجتهاد، لكنه مفتوح، وشرطوا له شرائط، لكن إيش معنى الاجتهاد المطلق الذي هو مفتوح؟ هل معناه الاجتهاد في كل مسألة مسألة بجميع ما تطلبه هذه المسألة؟ يعني إذا أردنا حكم من الأحكام وبحثنا فيما جاء في هذا الحكم من نصوص جئنا إلى ما جاء في القرآن، جئنا إلى ما ذكر في السنة من أحاديث وجمعنا طرق هذه الأحاديث ونظرنا في رجال هذه الطرق واحداً بعد واحد، فبدأنا بأول إسناد وفيه خمسة ستة من الرواة، وكل راوٍ من الرواة فيه أقوال تصل أحياناً إلى العشرين عن أهل العلم، عن أهل الشأن.
فإن أردت أن تحكم على هؤلاء الخمسة والستة والسبعة من خلال هذه الأقوال العشرين، وأردت أن ترجح وتوازن بين هذه الأقوال، الراوي الواحد يحتاج إلى وقت طويل، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم الذي يلي ه، إلى ستة، ثم بعد ذلكم الطريقة الثاني، إن احتجت إليه، ثم الثالث إن احتجت إليه، وهكذا، وهذا كله في مسألة واحدة تأتي إلى المسألة التي تليها فتصنع بها مثل ما صنعت بالمسألة الأولى، هذا إذا أردت أن تجتهد في الاستنباط وفي إثبات عمدة الاستنباط، .... إثبات الدليل، لا شك أن هذا يحتاج إلى وقت طويل.
وإذا عرفنا أن شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز أو الألباني أو غيرهما -رحمة الله على الجميع- ممن يشار إليه بالتفرد في هذا العلم لم يخرجوا عن ربقة التقليد في هذا العلم، كيف ذلك؟
أنت إذا أردت أن تجمع حديث بطرقه يمكن يجتمع لك من الرجال في هذا الحديث في مجموع طرقه أكثر من مائة رجل، مائة رجل في كل راوٍ ثلاثة أقوال خمسة عشرة، وصل بعضهم إلى عشرين، كم عندك من قول لأهل العلم في حديث واحد، في رواة هذا الحديث، قد تتداخل بعض الطرق مع بعض، لكن افرض أن عندك كم؟ كمٍ هائل، ألف قول لرجال طرق هذا الحديث، تحتاج إلى عُمْر، فأنت إن اتجهت إلى هذا وعنيت بالرواية لا شك أنه على حساب الدراية، وهذا ظاهر في صنيع من؟ الألباني -رحمه الله تعالى-.
وإن اتجهت إلى الدراية مع العناية بالاعتماد على الكتاب والسنة لا شك أنه على حساب الرواية، وهذا ما يصنعه الشيخ عبد العزيز - رحمه الله -، يكفيه أن يثبت الخبر، أو يثبته أحد الأئمة، وهما –أعني الشيخ عبد العزيز والشيخ الألباني - رحمة الله على الجميع - يعتمدان اعتماداً أغلبياً على التقريب، وهذا تقليد ما خرجنا من التقليد؛ لأن التقريب يحكي وجهة نظر ابن حجر - رحمه الله -، تجد هناك " التقريب "، " التقريب " وهو عمدة كثير من أهل العلم، لكن نضرب مثال بهذين الإمامين لأنهما بلغا الغاية في نظرنا، وأفنيا العمر الطويل في خدمة هذا العلم، فإذا أردنا أن نقلد ابن حجر في الحكم على الرجال -ولا مفر من التقليد- رأينا أن ابن حجر أيضاً وقعت له أوهام في التقريب، له أوهام في التقريب، ليس بمعصوم.
على كل حال على الإنسان أن يسلك الجادة ويتمرن والعلم يجتمع شيئاً فشيئاً، وإذا علم الله -سبحانه وتعالى- صدق النية أعان، وإذا كان الإنسان ممن أوتي الحافظة مع الفهم وأخلص وصدق النية مع الله -سبحانه وتعالى-، وسلك الطريق المتبع عند أهل العلم فإنه يرجى له أن يحتاج إليه في يوم من الأيام، أما إذا كان يتخبط يوم كذا ويوم كذا ويوم كذا، فهذا في الغالب وإن أوتي ذكاءً أو أوتي حفظاً فإنه في الغالب يضيع وقته متردد متحير)).
المصدر: http://www.khudheir.com/ref/1539/text
و للشيخ أبي مالك العوضي جواب نفيس تتبع فيه كل شبه من ينكر الدراسة المذهبية:
قال - حفظه الله تعالى -: ((الذي يقول إن الطالب يدرس على طريقة المحدثين يخادع نفسه خداعا واضحا
وذلك لأننا إذا افترضنا أن الطالب المبتدئ سيبدأ في دراسة بلوغ المرام مثلا على شيخه، فيشرح له شيخه الأحاديث ويبين له الأحكام المستنبطة منها، فهل شيخه سيذكر له الخلافات والترجيح، أو سيذكر له القول الراجح عنده فقط؟!
إن كان سيذكر له الخلافات والترجيح فسيضيع الطالب بين قالوا وقلنا وينقطع قبل أن يحصل شيئا
¥