تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تلقى الفقهاء المعتد بأقوالهم بالقبول طائفة من الروايات والأخبار التاريخية المبينة لحدود عرض المسعى، وجرى بها العمل منذ الربع الأخير من القرن الثالث، ولم تدون المصادر التاريخية والجغرافية- حسب علمي- أخبارا تخالف تلك الروايات التي عليها مدار تحديد عرض المسعى وذرعه من حديه الأيمن والأيسر، واعتمدها الناس؛ نظرا لتقدم القائلين بها، ومباشرتهم لذرع عرض المسعى دون الاعتماد على مجرد السماع، و كذلك لكونهم من الثقات المأمونين، وبينت تلك الروايات عرض المسعى قبل أن يضيق بسبب ما أخذ منه فيما بعد كما سيأتي ذكره مفصلا.

وقبل الوقوف على هذه الروايات يحسن تبيين معنى المسعى في اللغة والاصطلاح:

1 - المسعى في اللغة:

اسم مكان، مأخوذ من سعى يسعى سعياً، إذا مشى بسرعة وهرول أوعدا، وهو دون الشد وفوق المشي، وقيل السعي الجري والاضطراب والحركة، قال ابن دريد (ت 321 هـ): " السعي مصدر سعى يسعى سعياً من العدو وسعى للسلطان إذا ولي له الصدقة .... "، وقال أيضا: " سعى يسعى سعياً إذا أسرع ". وقال الجوهري: (ت 393 هـ): " سعى الرجل يسعى سعياً، أي عدا". وقال ابن منظور (ت711هـ): " والسعي عدو دون الشد سعى يسعى سعياً، وفي الحديث: " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ولكن ائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا". فالسعي هنا العدو سعى إذا عدا وسعى إذا مشى .. قال الزجاج: السعي والذهاب بمعنى واحد، لأنك تقوله للرجل وهو يسعى في الأرض وليس هذا باشتداد ..... ".

وقال الفيومي (ت 770هـ): " وسعى في مشيه هرول".

وقال الفيروز آبادي (ت 817هـ):" سعى يسعى سعياً، كرعى: قصد، وعمل ومشى وعدا .. ".

وفى تاج العروس: " وسعى إذا مشى زاد الراغب بسرعة، ومنه أخذ السعي بين الصفا والمروة، وسعى إذا عدا، وهو دون الشد وفوق المشي، وقيل السعي الجري والاضطراب كل ذلك ذكره ابن الأعرابي ..... وقال الراغب: أصل السعي المشي السريع ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان أو شراً .. ".

2 - وفي الاصطلاح:

هو المكان أو الموضع الذي يطوف فيه الحاج والمعتمر بين جبلي الصفا والمروة لأداء شعيرة السعي.

و السعي يطلق على المشي وعلى الجري والهرولة في مكان مخصوص قال البكري (ت 487 هـ) مبيناً ذلك: وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم في طوافه بينهما ـ الصفا والمروةـ يمشي حتى إذا نصبت قدماه في بطن الوادي سعى ". .

والطواف يطلق على السعي والمشي بين الصفا والمروة، ففي التنزيل: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح أن يطوف بهما).

الروايات التي عول عليها الفقهاء في تحديد عرض المسعى:

عول الفقهاء في تحديد عرض المسعى على روايات تاريخية أهمها الروايات الآتية:

أ - رواية أبي الوليد الأزر قي:

قال الأزرقي محدداً عرض المسعى: "وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس

ابن عبد المطلب، وبينهما عرض المسعى، خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف ".

والشاهد هو قوله: " وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف " أي ما يعادل ثمانية عشر مترا تقريبا ..

ب - رواية أبي عبد الله الفاكهي:

قال الفاكهي: " وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ، وبينهما عرض المسعى، خمسة وثلاثون ذراعا واثنتا عشرة إصبعا".

ج - رواية أبي إسحاق الحربي:

قال الحربي في كتابه المناسك وهو رحلته إلى الحج: " وذرع المسعى من المسجد الحرام إلى دار العباس اثنان وثلاثون ذراعا".

وهذا التحديد ينقص عن تحديد الأزرقي والفاكهي بثلاثة أذرع ونصف؛ مع أن الحربي كان معاصرا للأزرقي والفاكهي، فلعله قدر ذراعا خاصًا به، وهو ممن دخل مكة وحرر كتابه إبان حجه، بخلاف الأزرقي والفاكهي اللذين استوطنا البلد الحرام، و يجوز أن يقال في الجمع بين الروايتين: إن الأزرقي والفاكهي حددا أقصى عرض للمسعى، والحربي اعتبر حال المسعى بعد دخول الأبنية والديار المجاورة فيه، فالجميع متفق على أن للمسعى عرضا محددا؛ تمسكا بدليل الاستصحاب، لكن ذرع الأزرقي و الفاكهي كان لتحديد أكثر عرض المسعى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير