ـ[أبو الفداء الأردني]ــــــــ[08 - 12 - 10, 12:08 ص]ـ
لا إلهَ إلا الله، الرجل لم يسأل عن الأقوال والترجيحات والأدلة، ولا حكم الشرع، وإنما سأل هل صحيح أنّ هذا قول عند المالكية؟
فالجواب: نعم.
وكفى!
رحمك الله
ـ[عصام الصاري]ــــــــ[08 - 12 - 10, 02:57 ص]ـ
الحمد لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله. وبعدُ:
فإن القول بأن أئمةَ المذهب قد أخطأوا في فهم المدونة إذْ حملوها على كراهة القبض في الفريضة، وأنه قد خفي عليهم الصوابُ في ذلك، وأن نسبةَ الكراهة لمالكٍ خطأٌ محضٌ، كلامٌ مردودٌ لا يُلتفَتُ إليه، ووهمٌ لا يعوَّلُ عليه؛ فإن الكراهةَ مفهومُ الإمام البَراذِعي في تهذيب المدونة (1/ 241 - 242) حيث قال:" ولا يضع يمناه على يُسراهُ في فريضةٍ، وذلك جائزٌ في النافلة "، وكفى به حجةً في الفهم والتحقيقِ، وهو أيضاً فهمُ الإمامِ ابنِ رشدٍ -عجوزِ المذهب-، حيث قال في المقدمات (1/ 164):" وقد كَرِهه مالكٌ في المدوَّنة، ومعنى كراهيتِه: أن يُعَدَّ من واجبات الصلاة "، فانظرْ كيف نسَبَ القولَ بكراهة القبض في الفرض لمالكٍ، ثم حمَل معنى الكراهة على أنه ليس من واجبات الصلاة؛ لقول مالكٍ فيها:" لا أَعرفُه "، ففسَّره بأنه لا يَعرفُ وجوبَه، وهذه طريقةٌ لغير واحدٍ من أهل المَذهب، كابن العربي، وقد نقَل هذا العلاّمةُ المَسْناوي في "نُصرة القبض"، وهو أيضاً فهمُ الإمام ابن الحاجب -أحدِ أذكياء العالَم كما قيل-، حيث قال في مختصره (94):" فيها -أي: المدوَّنةِ- لا بأسَ به في النافلة، وكَرِهه في الفريضة ".
وهو أيضاً فهمُ الإمام خليلٍ -رحمه الله- في مختصَرِه وقد سلَّمه له شُرَّاحه المعدودون بالعشرات، كالحطّاب، والمَوّاق، والزُرقاني، والبنّاني، والرُهوني، والخَرَشي، والعَدَوي، والدرديرِ، والدسوقي، والصاوي، والأمير، وعِليش، والنفَراوي. وذكرُ أسماء هؤلاء الفقهاء ليس من باب طلب الحصر بل هو تمثيلٌ، فإن الحصرَ في مِثل هذا مما يقاربُ المستحيلَ.
فهل هؤلاءِ الفقهاءُ جميعاً قد فَهِموا المدوَّنةَ فهماً خاطئاً، وأنه قد لَبَّس عليهم بعضُهم فاتَّبعوه؟!!!!، هذا كلامٌ لا ينبغي أن يتفوَّهَ به طالبُ عِلمٍ.
فعُلم أن هذا هو الفهم الصحيح، وأما غيرُه فليس بشيءٍ، وقد نسَب القولَ بمشهورية كراهة القبض في الفريضة إلى مذهب مالكٍ غيرُ واحدٍ من فقهاء المَذهب، كالشيخ عِليش في فتاويه، والعلاّمة النوازلي المهدي الوزّاني في نوازله الكبرى، والمحقِّق محمد عابد في رسالة:" القول الفصل"، وغيرهم، على أن عدمَ تنصيص كثيرٍ منهم على مشهوريته راجعٌ إما إلى أنه روايةُ ابن القاسم في المدوَّنة، والمعلومُ تقديمُها على غيرِها من الروايات بالبداهة، وإما لأنهم لم يَذكروا قولاً آخرَ غيرَه فلم يحتاجوا إلى التنصيص على أنه المشهورُ، وإنما احتاج المتأخرون ممن ذكرْتُ آنفاً إلى التنصيص على مشهوريته عندما وُجد من يَطعنُ في رواية المدوَّنة، ويؤيِّدُ القولَ بشُهرته أن الذي اقتَصَر عليه خليلٌ في مختصره المبيِّنِ لِما به الفتوى، واللهُ يَشهَدُ أني ما سدلْتُ في حياتي في الفريضة؛ حتى لا يَعتقدَ بعضٌ أني متعصِّبٌ للقول بالسدل، أو متحاملٌ على القائلين بالقبض، فحاشا واللهِ، ولكنَّ العلمَ علَّمَنا أن الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبَعَ، فالكلامُ هنا في نقل المذهب، وليس في تصحيحه كما ظن البعضُ.
فإذا عُلم ما تَقدَّم عُلم الجوابُ عن أصل السؤال القائل: هل ما يَفعلُه أُمراءُ الإمارات هو مذهبُ مالكٍ؟، وأن الكلامَ في نقل مذهب مالكٍ على الوجه الصحيح؛ فهذه أمانةٌ علميةٌ، ولا يصحُّ أن يُرجَعَ فيها إلى الأهواء والرغبات، ولا إلى الرجاء والأُمنيات، ولذلك تجدُ العلاّمةَ خليلاً -رحمه اللهُ- يختارُ في "التوضيح" غيرَ ما يَذكرُه في المختصَر؛ لأن المختصَرَ اعتمَدَ فيه نقْلَ المَذهب، فلا يجوزُ له أن يرجِّحَ من عنده، أما في التوضيح فيُرجِّحُ ويختارُ غيرَ المشهور أو غيرَ ما يَذكره في المختصر، وهذا موضوعٌ جديرٌ بأن يكونَ رسالةً علميةً يُدرَسُ فيها أقوالُ خليلٍ في التوضيح مع مقارنتها بما في المختصر. وفَّق اللهُ الجميعَ لما فيه رضاه.
ثم إن المُفتَى به في المذهب أربعةُ أمورٍ، هي: القول المتفَقُ عليه، والراجح، والمشهورُ، وما جرَى به العملُ، كما ذكَر ذلك غيرُ واحدٍ من أهل المذهب، وليس الأمرُ قاصراً على المشهورِ.
ثم إنه لا لومَ عندي على من يأخذُ برواية السدل عند المالكية؛ لما سبق ذِكرُه، ولِما جرَى به العملُ في المَغرب قاطبةً إلى وقتٍ قريبٍ؛ ولِما نصَّ عليه المحقِّقُ العَدَوي -رحمه الله- من أن المشهور يُقدَّمُ على الراجح. وهذه فائدةٌ.
ثم إني أَشكُرُ الأخَ أبا محمدٍ الدمشقي الهُمام، على حُسنِ فهمه لمرامي الكلام، إلا أن القولَ بالسدل لم ينُصَّ علماؤُنا على ضَعفه، وإن كان كذلك فبالاِعتبار، وليس على الإطلاق، ولو فلو فُرض ضَعفُه فإن لذِكر الأقوال الضعيفة في المَذهب فائدتين، ذكَرهما غيرُ واحدٍ، فما بالُكَ بقولٍ هو مشهورٌ. واللهُ أعلمُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
اللهم إنك تَعلمُ سري وعلانيتي فاقبَلْ معذرتي، وتَعلمُ حاجتي فأعطني سؤلي، وتَعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، اللهم إني أسألكَ إيمانا يباشرُ قلبي، ويقيناً صادقاً حتى أَعلمَ أنه لن يصيبني إلا ما كتبْتَه عليَّ، والرضا بما قسَمْتَه لي، يا ذا الجلال والإكرام. والحمدُ لله رب العالمين.
¥