جاءتْ عبارةُ:" يُعِينُ به نفسَه " كالأمر اللازم حصولُه عند القبض، فكان اللائقُ عَدَّه علةً للكراهة ووصفاً باعثاً على الحُكم بالكراهة، لا قيداً يُحترَزُ به، عى هذا جرتْ مختصَراتُ المَذهب، كالشيخ خليلٍ، والأمير، والدرديرِ إذ قال -رحمه الله-:" وجاز القبض بنفلٍ، وكُره بفرضٍ؛ للاِعتماد، أي: لما فيه من الاِعتماد، أي: كأنه مستنِدٌ "، وقد سبق نقلُ نصه كاملاً لإفادة أصل الحُكم بالكراهة، من غير نظرٍ في كون الاِعتماد قيداً أوْ لا. وانظرْ إلى قوله:" لما فيه من الاِعتماد " فإنه في معنى كلام المدوَّنة السابق.
وبذلك يُعلَم أن تصويبَ كلامي بضرورة تقييد الكراهة بالاِعتماد ليس صحيحاً؛ إذْ لا دليلَ عليه؛ ولأنه خلافُ المعتمَد من المَذهب.
والذي فهِمتَه من ظاهر عبارة المختصَر هو كذلك، إلا عدَّك له من السنن فليس فيه ما يَدل على ذلك، بل القبضُ عنده وعند غيره من أهل المذهب من المكروهات؛ لِقوله:" وهل كراهتُه في الفرض للاِعتماد ". فليُتنبَّهْ.
وأما عبارةُ:" إذا اعتقد وجوبه " فغيرُ صحيحةٍ، وصوابها:" خوف اعتقادِ الناسِ وجوبَه "، فإن الخوفَ الشكُّ في حصول اعتقاد الوجوب، وأما تحققُ اعتقادِ الوجوبِ نفسِه فهو أشدُّ؛ ولا يَبعد معه على قاعدتهم الحكمُ بوجوب السدل لا بكراهته؛ قطعاً لهذا الواقع من الاِعتقاد الفاسد المشتمِلِ على تغيير حُكم الشرع، وهي مسألةٌ جديرةٌ بالبحث والنظر، ليس هذا مجالَها. وهذا تصحيحٌ في العبارة ينبغي التنبُّه له.
وما فَهمْتَه عني من كلامي الأخيرِ، قد يكون كذلك؛ لأن غرضي كان مجردَ إثباتِ القول بالكراهة دون زائدٍ عليها، ولكنَّ الصوابَ ما ذكرتُه هنا من أن القبض على رواية ابن القاسم مكروهٌ مطلقاً وعلتُه الاِعتمادُ، لا خوف اعتقاد العامةِ وجوبَه، ولا خوف إظهار الخشوع، ولا غير ذلك فهي جميعاً تأويلاتٌ ومحاملُ للكراهة، لا قيودٌ كما يَظهرُ من كلامك. فليُتأملْ. هذا ما عندي في الموضوع والسلامُ.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[10 - 12 - 10, 01:02 ص]ـ
أضحك الله سنك يا مولانا ... عدنا من حيث بدأنا ... وهذا جيد.
المهم عندي في كل هذه المباحثة قولك: (فإن مذهبَ مالكٍ هو كراهة القبض في الفريضة من غير تقييده بالاِعتماد)
وهذا الذي أقول فيه: إنه خطأ محض ... ولا تصح نسبته لمالك رحمه الله بحال ... بل الصواب أن يقال: إنه يكره - مالك - وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة المفروضة إذا قصد فاعله الاعتماد ...
طبعا أنا أقول هذا وأعلم أن ناسبي هذا القول للإمام أئمة فحول ... وسادة أخيار ... ولكني أعتقد فيهم أنهم من جملة البشر ... وأنهم بعض الأمة وليسوا كلها ... وأن خطأهم في مثل هذه الجزئية لا يضيرهم ... وقد شاركني في تخطئتهم حبيبي الشيخ عصام إذ عمل بالوضع وقواه ... ورجحه على السدل ... وجعل مدرك السدل ضعيفا ... فهو يرى تخطئتهم في اختيارهم واجتهادهم ... والعبد لله يرى تخطئتهم في فهمهم لقول إمامنا مالك ... وكذا في اجتهادهم واختيارهم للقول بكراهة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة المفروضة ... طبعا كلانا - على ما يبدو لي - تبع لمشايخ قبلنا اجتهدوا في هذا الأمر وبينوه أحسن بيان.
كيف تم هذا الأمر ... وما هي الحجة البينة في اثبات وقوع خطأ في فهم كلام الإمام من قبل بعض المنتسبين إليه ... كل ذلك سبقت الإشارة إليه ... ولكن ربما أعيد بيانه نقلا عن أئمة المذهب وغيرهم.
أما ما وقع في مشاركتك الأخيرة والتي قبلها من أغاليطَ وأوهامٍ ... فلا تعنيني الآن ... وهي من طبائع البشر ... فقد ظننت أنك تقصد الخير إن شاء الله ... وتجتهد في العلم ... فربما أصبت وربما جانبك الصواب.
ـ[مصطفى البشير]ــــــــ[10 - 12 - 10, 03:20 م]ـ
السلام عليكم: هل التعليل بالاعتماد، أو بخيفة اعتقاد وجوبه، أو إظهار خشوعٍ من باب التعليل بالمظنة، أو التعليل بالمئنة؟
ـ[محمود محمود]ــــــــ[10 - 12 - 10, 04:54 م]ـ
إخواني الفضلاء
بارك الله فيكم
مناقشة جادة وممتعة، ولكي يستمر النقاش هادفا ومفيدا أود أن أطلب النظر إلى المسألة عبر مراحل منفصلة عن بعضها، فإذا تمت الموافقة على مرحلة يمكن الانطلاق للمرحلة التالية، فأقول:
المرحلة الأولى: وصف موقف علماء المذهب من الرواية:
رواية ابن القاسم عن مالك حول القبض في الفرض ثابتة، ولكن من حيث دلالتها فيها تفسيران لعلماء المذهب:
التفسير الأول: القبض مكروه مطلقا نوى الاعتماد أم لا، أخذا بظاهر عبارة المدونة [أما تعليل الكراهة فأمر آخر، فقال ابن رشد كراهة أن يعد من واجبات الصلاة، وقيل بغير ذلك]
التفسير الثاني: القبض مكروه إن نوى الاعتماد، وهذا فقط ما تتحدث عنه الرواية، ولا يشمل كلام الإمام القبض في الفرض لغير الاعتماد.
التفسير الأول أخذ به البرادعي وابن رشد وابن يونس وغيرهم.
والتفسير الثاني أخذ به عبد الوهاب والباجي وغيرهما.
ورغم وجود هذين التفسيرين فقد استقرت حكاية المذهب على التفسير الأول، بمعنى سنية السدل وكراهة القبض.
وهذا القدر ليس محل جدال بين المتناظرين هنا.
المرحلة الثانية:
إذا سلم بما ذكر من ناحية وصف المنهج المستقر في المذهب، فإن ما ينبغي أن يوجه إليه النظر هو البحث حول أسباب اعتماد التفسير الأول ورد التفسير الثاني مع أنه أيضا منطلق من نص مالك نفسه، وتدعمه قواعد أصولية معتبرة في التفسير.
ولعلي أستمر في هذا النهج إذا قبلت المشاركة.
¥