والقوانين المدنية الغربية والعربية قد نظمت الشرط الجزائي في باب المقاولة، فقد نصّت المادة 223 م م إلى أنه: (يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض بالنص عليها في العقد، أو في اتفاق لاحق، ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 215 إلى 220، ومثل ذلك ما ورد في القانون المدني العراقي م170 والسوري م424 والليبي م226 واللبناني م226 [27].
فشروط استحقاق الشرط الجزائي هي نفس شروط استحقاق التعويض من وجود خطأ من المدين، وضرر يصيب الدائن، وعلاقة سببية ما بين الخطأ والضرر، وإعذار المدين أي إنذاره ومطالبته بالتنفيذ [28].
ويترتب على الشرط الجزائي أنه يجب على المدين الوفاء بما تم الاتفاق عليه في العقد، وإذا لم يحقق ذلك فإن مضمون الشرط الجزائي يكون واجب التنفيذ بشروطه، وأن القاضي يحكم به دون تخفيض ولا زيادة إعمالا لإرادة العاقدين من حيث المبدأ، ولكن نصّت المادة 224 على أمرين مهمين جعلتها النصوص التي لا يجوز مخالفتها حيث نصّت على ما يأتي:
((لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.
يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ جزء منه. ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين)).
وتنص المادة 225 على ما يأتي: (إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي، فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلاّ ثبت أن المدين قد ارتكب غشاً، أو خطأ جسيما) [29].
التكييف الفقهي (أو الشرعي) للشرط الجزائي:
من المعلوم أن جمهور الفقهاء على أن الأصل في الشروط هو الإباحة، وبالتالي فكل شرط لم يخالف نصاً من كتاب الله وسنة رسوله، أو الإجماع فهو شرط مقبول عندهم [30].
ومن هنا فالشرط الجزائي مقبول من حيث المبدأ، ولكن الشرط الجزائي نوعان: نوع على التأخير في العمل والتنفيذ، ونوع آخر على الديون.
النوع الأول: الشرط الجزائي المتضمن تعويضاً محدداً على التأخير في تنفيذ الأعمال، أو عدم تنفيذه مطلقاً، وله صور من أهمها:
الشرط الجزائي المقترن بعقد المقاولة، أو الاستصناع المتضمن دفع مبلغ محدد عن كل يوم، أو شهر من التأخير عن الموعد المحدد للتنفيذ والتسليم.
الشرط الجزائي المقترن بعقد الإجارة على العمل سواء كان الأجير أجيراً خاصاً برب العمل، أو مشتركاً، وذلك بأن يشترط عليه مبلغاً محدداً إذا تأخر في تنفيذ العمل، أو يخصم منه مبلغاً محدداً من الأجرة، وهذا ما يطلق عليه في القانون عقود العمل.
وكذلك الحكم في الإجارة الأعيان مثل اشتراط خصم مبلغ معين إذا تأخر المؤجر في تسليم العين المؤجرة [31].
والشرط الجزائي في هذا المجال جائز يجب الوفاء به للأدلة الكثيرة الدالة على الوفاء بالعقود والعهود والشروط، وقد صدر بذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السابع بجدة في 7ـ12/ 11/1412هـ الموافق 9ـ14 مايو 1992 حيث نص على أنه: (يجوز في عقد الاستصناع أن يتضمن شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة. والله أعلم).
النوع الثاني: الشرط الجزائي على تأخير في سداد الديون، ومن المعلوم أن معظم ذلك في المرابحات والبيع الآجل، فما حكم الفقه الإسلامي في هذا لإجراء؟ للإجابة عن ذلك نقول: أن المدين الذي يتأخر في السداد نوعان:
*الأول: المدين المعسر الذي لا يقدر على الوفاء بديونه فقد اتفق الفقهاء [32] على وجوب إنظاره لقواه تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) [33]، قال القاضي ابن العربي: (إن لم يكن المديان غنياً فمطله عدل، وينقلب الحال على الغريم فتكون مطالبته ظلماً) [34].
وقد وضع مجمع الفقه الإسلامي معياراً للإعسار حيث نص على أن ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار هو أن لا يكون له مال زائد عن حوائجه الأصلية يفي بدينه نقداً أو عيناً [35].
*الثاني: المدين الموسر المماطل، وهذا هو الذي ينصب البحث عليه.
ومن المتفق عليه بين الفقهاء ان مطل الغني ظلم وإثم وعدوان بل جعله الجمهور كبيرة من الكبائر، وذلك لما ورد في ذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم) [36].
¥