يقول الشيخ علي الخفيف: (إن التعويض في الفقه الإسلامي لا يكون إلاّ عن ضرر مالي واقع فعلاً، لأنه السبب في التعويض، والمسبب لا يتقدم سببه، وإلاّ لم يكن سبباً له، ولكن إذا وقع الضرر فعلاً وجب التعويض ـ أي شروطه ـ ولا يكون الضرر المالي الموجب لتعويض إلاّ في متقوم) [84].
ثم ذكر الشيخ شمولية الضرر لبعض الأعمال مع أنها لا تستوجب التعويض مثل الامتناع عن تنفيذ التزام كالوديع يمتنع عن تسليم الوديعة إلى مالكها حيث ليس فيه تعويض مالي على ما تقضي به قواعد الفقه الإسلامي، وذلك محل اتفاق بين المذاهب [85].
وقد ناقش المجيزون أدلة المانعين بما يأتي:
أولاً: أننا لا نسلم أن اشتراط التعويض عن تأخير الدين اشتراط لربا النسيئة، وأن حصيلته هي عين الربا لوجود الفروق الجوهرية بينها، وهي [86]:
إن الزيادة في مقابل الأجل فقط دون مقابلة عوض عنها أما لزيادة الحاصلة عن شرط التعويض فهي في مقابل تفويت منفعة على الدائن عمداً وعدواناً، فهي عقوبة مالية سببها الظلم والعدوان، مثل مضاعفة الغرم على السارق مما لا قطع فيه.
والجواب عن ذلك أن هذا الفرق غير جوهري، وذلك لأن تفويت المنفعة ليس مالاً متقوماً حتى يعوض عنه، كما أنه من حيث النتيجة فالأمر واحد حي ترتب على الدين زيادة بسبب التأخير وهذا هو الربا بعينه، ومن جانب آخر فإن حصيلة العقوبة تعود إلى خزينة الدولة.
إن الزيادة الحاصلة في اشتراط التعويض في مقابل الظلم والمماطلة على عكس الربا الذي هو اتفاق على الزيادة في مقابل الزمن.
والجواب عن ذلك أن المماطلة وإن كانت ظلماً وضرراً ولكنه ليس كل ظلم موجباً للتعويض ـ كما سبق ـ
ثم إن اعتبار ذلك يعود إلى الدولة وسلطاته وليس إلى الدائن نفسه ـ كما سبق ـ كما أن حصيلته المالية لا ترجع إليه بل إلى خزينة الدولة.
الربا الجاهلي لا يفرق بين مدين غني ومدين معسر، كما انه لا يفرق بين المدين الذي له ضمانات، ومن ليس له ضمانات، في حين أن التعويض عن التأخير خاص بالمدين المماطل.
والجواب عن ذلك أن الربا حرام فرضه الموسر الغني كما هو حرام على المعسر، كما أنه لا فرق بين لديه ضمانات ومن ليست عنده.
وخلاصة الرد على هذه الفروق أن الربا في حقيقته الزيادة بلا عوض في مقابل الأجل وهي متحققة في التعويض المذكور، لأن الربا في اللغة هي الزيادة [87]، وفي الشرع قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) وفي رواية صحيحة أخرى: فمن زاد أو ازداد فقد أربى وإلاّ ما اختلفت ألوانه) أي أجناسه، وفي رواية ثالثة: (فمن زاد أو استزاد فهو ربا) [88].
ثانياً: أن الربا في حقيقته ظلم واستغلال من الدائن المرابي للمدين، في حين أن التعويض عدل لأنه يزيل ظلم المدين للدائن.
والجواب أن هذا هو بيان الحكمة، وأما العلة والسبب الشرعي فهي الزيادة ـ كما سبق ـ ولذلك أصبح المعطي المظلوم آثماً ـ كما في الحديث السابق الصحيح ـ.
الرأي الراجح:
أرى أن الرأي الراجح هو عدم جواز اشتراط التعويض عن تأخير السداد في العقود الآجلة (الديون) وهذا هو قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ـ كما سبق ـ وقرار مجمع الفقه الدولي رقم 53 (2/ 6)، وذلك لأن أدلة المجيزين لم تنهض حجة على دعواهم، ولم تسلم من المناقشة، وأن مباني رأيهم لم تكن سليمة قائمة على أصول شرعية، وقد ذكرنا إجماع العلماء على أن كل قرض شرط فيه الزيادة فهو حرام.
ومن جانب آخر فإن البنوك الإسلامية بما أن معظمها لا تتعامل في التجارة، بل في المرابحات والبيوع الآجلة والبدائل عن القروض الربوية، فإنها إذا أضيف في عقودها شرط التعويض عن التأخير بقرض مبل من المال بمقدار نسبة الربح المتحقق في البنك فلا يبقى حينئذ فروق جوهرية بينها وبين البنوك الربوية، فالمرابحات بل كل العقود الآجلة ينظر في هامش ربحها إلى نسبة الفوائد الربوية السائدة (لايبور) هذا في البداية، ثم في النهاية عند التأخير تؤخذ عليها فوائد محددة وهي 3% مثلاً حسب نسبة أرباح البنك المتحققة (حيث هذا الاحتساب هو السائد في البنوك التي تجيز التعويض والغرامة المالية).
الكنيسة من غرامة التأخير إلى الربا الصريح:
¥