وأخشى ما أخشاه هو ما كان عليه الدين النصراني الذي كان يحرم الربا بين النصارى بعضهم وبعض وبينهم وبين غيرهم في حين أن اليهودية تحرم الربا بين اليهودي واليهودي، فقد كان إجماع رجال الكنائس منعقداً على حرمة الربا، وأن تعاليم المسيح عليه السلام تعتبر صارمة في التحريم [89].
غير أن هذه الفكرة بدأت تضعف وتضمحل في القرنين (السادس عشر والثامن عشر) على إثر الانتقادات والاعتراضات التي وجهها كثيرون إلى الكنيسة، فأخذ يجرؤن على تركها فنرى لويس الرابع عشر يقترض بالربا عام 1662، بل إن البابا (بي التاسع) تعامل بالربا عام 1860 بناءً على فتوى مجمع انتشار الإيمان المقدس في روما التي أجازت أخذ الربح في مقابلة الخطر من فقد أصل المال، ثم أثرت العوامل الاقتصادية على التعاليم المسيحية حتى ضاقت دائرة الربا، وأبيحت الفائدة في البداية استثناءً في الحالات التالية:
· إباحة التعويض للمقرض عن أي خسارة أصابته بسبب القرض.
· إباحة التعويض عما فاته من ربح.
· إباحة الشرط الجزائي يلتزم بموجبه المقترض إذا لم يسدد القرض في الميعاد بأن يدفع مبلغاً إضافياً إذا تأخر عن الوفاء، وقد ترددت الكنيسة في إباحة هذا الشرط بادئ الأمر، ثم أجازته [90].
ومن الجانب الواقعي فإن معظم البنوك الإسلامية لا تريد أن تلجأ إلى المحاكم نظراً لطول الانتظار والوقت لإصدار الحكم، ولا إلى التحكيم لنفس الأسباب، وإنما تريد فرض غرامة لصالحا تأخذها، فتكون هي الحكم والخصم، ولذلك يدخل مثل هذا الشرط في عقودها، كما أنها جاهزة حيث أدخلت نسبة الربح المحقق في الكومبيوتر، فإذا تأخر أي شخص فتحسب عليه النسبة المطلوبة، بناءً على أن عدم الدفع في وقته يعتبر مماطلة، إلى أن يثبت المدين أنه معسر، وما أدري كيف يمكنه ذلك؟ لذلك تبقى النسبة محسوبة عليه دون النظر إلى الظروف والملابسات التي تحيط بالقضية.
هذا هو الواقع الذي تنصب عليه الفتوى وينزل عليه الحكم الشرعي بالجواز أو المنع، وهذا الواقع إذا أجيز لما بقيت مصداقية للبنوك الإسلامية التي من المفروض أن تدخل في عالم التجارة والاستثمار والتنمية الحقيقية، وأن تكون لديها الخبرات والتقنيات لحماية حقوقها وإذا وجد التأخير فتحسب له الحساب.
أما اشتراط التعويض عن الضرر الفعلي في سمعته وفي ماله الذي أصاب البنك الإسلامي، فهذا جائز بشرط أن يكون التقدير إلى القضاء أو إلى التحكيم لا إلى البنك نفسه، لأن الضرر يزال ولجميع الأدلة الدالة على رفع الضرر وعلى تضمين المعتدي عما أصاب المضرور من أضرار مادية فعلية من مصاريف، أو نحو ذلك. وسنتحدث عن ضوابط ذلك في الفصل الآتي.
.... يتبع
ـ[موقع الملتقى الفقهي]ــــــــ[21 - 11 - 10, 11:42 م]ـ
ثالثاً: التعويض عن طريق القضاء أو التحكيم
وهذا إنما يتحقق إذا خلا الاتفاق بين الدائن (البنك) والمدين عن أي شرط جزائي ثم تأخر المدين في السداد مماطلة، وتضرر البنك فعلاً بسبب تأخر ديونه، والتجأ إلى القضاء أو إلى التحكيم، وحكم له بتعويض مالي، فهل يجوز للبنك أن يسلك هذا الطريق وأن يأخذ التعويض الذي حكم له؟
هذا ما سنتناوله في هذا المبحث، وقبل أن نجيب عليه نمهد له بتعريفه وحكمه في الشريعة والقانون.
التمهيد في التعريف بالتعويض وأحكامه في الشريعة والقانون بإيجاز:
التعويض لغة من العوض، وهو البدل وأصله: عاض فيقال: عاضه بكذا، وعنه، ومنه عوضاً، أي أعطاه إياه بدل ما ذهب منه فهو عائض، وعوّضه، وأعاضه، وعاوضه بمعنى واحد، واعتاض منه: أخذ العوض، واعتاض فلاناً: سأله العوض، واستعاضه، ومنه أي سأله العوض [91].
وفي اصطلاح الفقهاء هو: دفع ما وجب من بدل مالي بسبب إلحاق ضرر بالغير، وعلى ضوء ذلك فهو أخص من الضمان الذي يترتب على إلزام الشارع كالديات، والالتزام (والعقود) والفعل الضار، يد الضمان [92].
¥