والتعويض لدى الفقهاء لا يكون إلاّ في مقابل ضرر، ومن ثم فهو واجب الأداء، ولكن ليس كل ضرر يترتب عليه التعويض، وإنما الضرر المعوض عنه لدى الفقهاء بشمل الضرر الواقع على المال بما فيه المنفعة سواء كان عن طريق الغصب أم الاتلاف، ام الاعتداء على النفس وما دونها وهي الدية والارش، أم عن طريق التفريط في الأمانة ونحو ذلك، ويكون التعويض بدفع مال مقدر أو مصالح عليه يدفع لمن وقع عليه الضرر، أو لورثته بدلا لما فقد وقطعاً للخصومة والنزاع بين الناس [93].
والتعويض عن الضرر بإتلاف العين أو المنفعة، أو النفس، أو ما دونها، ولكن ليس هناك تلازم بين التعويض والإتلاف، حيث يكون التعويض عن تفويت العين بالمثل إن كانت مثلية، وبالقيمة إن كانت قيمية.
وأما التعويض عن تفويت المنفعة للأعيان المغصوبة سواء كانت مستعملة أم لا فيمون بأجرة المثل عند جمهور الفقهاء الشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والزيدية، والامامية، والاباضية [94]، في حين ذهب جمهور الحنفية إلى عدم تعويض منافع المغصوب إلاّ إذا كان المغصوب مال يتيم، أو وقف، أو كان مالكه قد أعده للاستغلال [95]، وأما المالكية فذهبوا إلى التعويض في حالة استعمالها [96].
وقد ذكر أستاذنا الشيخ علي الخفيف أنواع الضرر ومدى وجود التعويض فيما نذكرها بإيجاز:
· الضرر الذي يتمثل في أذى يصيب الإنسان في جسمه، ففيه الدية، أو حكومة عدل، وبعبارة أخرى فيه الجزاء المالي من الشارع الذي يشبه التعويض من ناحية، ويشبه العقوبة من ناحية أخرى.
· الضرر الذي يتمثل في الأذى الذي يصيب الإنسان في شرفه وعرضه من فعل أو قول بع إهانة له كما في القذف والسب والاهانة بالضرب، والتحضير والامتهان في معاملته.
· الضرر الذي يتمثل في تفويت مصلحة غير مالية ملتزم بها كما في التزام امتنع فيه الملتزم من تنفيذ التزامه كالوديع يمتنع عن تسليم الوديعة إلى مالكها … ...
(فهذان النوعان الثاني والثالث ليس فيهما تعويض مالي على تقضي به قواعد الفقه الإسلامي، وذلك محل اتفاق بين المذاهب، وأساس ذلك فيها أن التعويض بالمال يقوم على الجبر بالتعويض، وذلك بإحلال مال محل مال مكافئ له ليقوم مقامه ويسد مسده وكأنه لم يضع على صاحب المال الفاقد شيء وليس ذلك بمتحقق فيهما).
الضرر الذي يتمثل في تفويت مال علة مالكه كلياً أو جزئياً أو بتعييبه، وهذا فيه تعويض، ثم يقول: (ومما فرع على ما تقدم عدم وجوب الضمان بسبب تفويت فرصة من الفرص كان من المحتمل أن يكون من ورائها كسب مالي… .. ) [97].
التعويض في القانون:
يقسم التعويض في القانون إلى تعويض عن عدم التنفيذ، وتعويض عن التأخر في التنفيذ، كما يقسم إلى نوعين:
النوع الأول: التعويض القضائي الذي يقدره القاضي بمبلغ نقدي يمثل الضرر الذي يلحق الدائن نتيجة عدم تنفيذ المدين لالتزامه، أو لتأخره في تنفيذه، ويشمل: ما لحق الدائن من خسارة، وما فاته من كسب ويقتصر في جميع الأحوال على الضرر المباشر ويقتصر في الالتزامات العقدية.
ومن شرائط استحقاق التعويض هي شرائط قيام المسؤولية: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بين الضرر والخطأ [98] حيث نصت المادة (5/ 2م م) على أنه: (إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه، ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه) [99] كما نصت المادة 218 من القانون المدني المصري على أنه: (لا يستحق التعويض إلاّ بعد إعذار المدين، ما لم ينص على غير ذلك) مثل ذلك ورد في معظم القوانين العربية [100].
وقد نصت المادة 221 على أنه: (إذا لم يكن التعويض مقدراً في العقد أو ينص وفي القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب يشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام، وللتأخر في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوفاه ببذل جهد معقول)
¥