تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المسألة، و لَو وَرَدَت على عُمَر بنِ الخطاب رضي الله عنه؛ لجمع لها أهل بدر، و عن عطاءِ بنِ السائب التابعيِّ: أدركتُ أقواماً يُسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم و هو يَرْعَدُ، و عن ابن عباسٍ، و محمد بن عجلان: إذا أَغْفَلَ العالِمُ لا أدري أُصيبَتْ مَقَاتِلُه، و عن سُفيَان بن عيينة، و سَحنُون: أَجسَرُ النّّاسِ على الفُتيا أقَلُّهم عِلماً، و عن الشافعي، و قد سُئِل عن مسألةٍ فلم يُجِب، فَقِيلَ له، فقال: حتى أدري أنَّ الفضلَ في السكوتِ أو في الجواب. و عن الأثرَمِ: سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يُكثِر أن يقول: لا أدري، و ذلك فيما عَرَفَ الأقاويلَ فيه، و عن الهيثم بنِ جميلٍ: شهدتُ مالكاً سُئِلَ عن ثمانٍ و أربعينَ مسألةٍ، فقال: في ثِنتَين و ثَلاثين منها: لا أدري، و عن مالكٍ أيضاً أنَّهُ رُبَّما كان يُسأل عن خمسين مسألة فلا يُجيب في واحدةٍ منها، و كان يقول: مَن أجاب في مسألةٍ فينبغي قبلَ الجواب أن يعرِضَ نفسَه على الجنَّةِ و النّار، و كيفَ خَلاصُهُ، ثُمّ يُجيب، و سُئِل عن مسألة، فقال: لا أدري، فقيل: هي مسألةٌ خفيفة سهلة، فغضب و قال: ليس في العلم شيءٌ خفيفٌ، و قال الشافعي: ما رأيتُ أحداً جمعَ الله تعالى فيه من آلةِ الفُتيا ما جَمَع في ابن عُيَيْنَة أسكتَ منهُ على الفُتيا، و قال أبو حنيفة: لولا الفَرَق (و هو الخوف) مِن الله تعالى أن يَضيعَ العلم؛ ما أفتيت، يكون لهم المَهْنأ و علَيَّ الوِزرُ، و أقوالُهُم في هذا كثيرة معروفة.اهـ. [آداب الفتوى، للإمام النووي، ص: 13 و ما بعدها].

و لعلّ من المناسب في هذا المقام أن أذكّر نفسي و إخواني بما أورده الشيخ منصور بن يونس البهوتي [في كشاف القناع في الفقه الحنبلي: 6/ 299] من توجيه سديد يُزهّد في التصدّر للفتوى لمن لا قبل له بها، و من لم يستوفِ شروطها، و ترشد من تبوّأها إلى ما ينبغي أن تكون عليه حاله فيها، بعدَ أن ذَكرَ بعضَ ما أورَده الإمام النووي فيما نقلناه آنِِفاً، إذ قال: و أنكر الإمام أحمد و غيره على من يهجُمَ على الجواب لخَبَرِ: (أجرؤُكم على الفتيا أجرؤكم على النار).

و قال أحمد: (لا ينبغي أن يجيب في كل ما يُستَفْتَى فيه).

و قال: (إذا هابَ الرجلُ شيئاً لا ينبغي أن يُحمَل على أن يقول).

و قال: (لا ينبغي للرجل أن يُعَرِّضَ نفسَهُ للفُتيا حتى يكون فيه خمس خصال:

• إحداها: أن تكون له نيّةٌ، أي: أن يُخلص في ذلك لله تعالى، و لا يقصد رياسةً، و لا نحوَها، فإن لم يكن له نيّةٌ لم يكن عليه نُورٌ، و لا على كلامه نور، إذ الأعمالُ بالنيّات، و لكل امرئ ما نوى.

• الثانية: أن يكون له حِلمٌ و وَقار و سكينة، و إلا لم يتمكن من فعل ما تصدى له؛ من بيان الأحكام الشرعية.

• الثالثة: أن يكون قويّاً على ما هو فيه، و على معرفَتِهِ، و إلا فقد عرَّض نفسه لعظيم.

• الرابعة: الكفايةُ، و إلا أبغَضَهُ الناسُ، فإنّه إذا لم تكن له كفايةٌ احتاج إلى الناس، و إلى الأخذِ ممّا في أيديهم؛ فيتضررون منه.

• الخامسة: معرفةُ الناس؛ أي: ينبغي له أي للمفتي أن يكون بصيرا بمكر الناس و خِداعِهِم، و لا ينبغي له أن يُحسِن الظن بهم، بل يكون حذِراً فَطِناً مما يصورونه في سؤالاتهم، لِئَلا يوقِعُوه في المكروه.اهـ من كشّاف القناع.

و ممّا جاء في تحرّز السلف من الإفتاء ما أورده الحافظ المناوي رحمه الله [في فتح القدير: 1/ 158]، و منه بعض ما تقدّمَ، و زاد عليه:

و كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا سُئِل قال: (اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلَّد أمرَ الناس فضعها في عنقه)، و قال أيضاً: (يُريدون أن يجعلونا جسراً يمُرُّونَ علينا إلى جهنم).

فرضي الله عنهم ما أورَعهم و ما أبعَدَهم عن التكلّف و التطلّع و استشراف النفس إلى ما تُخشى عواقبه في الدين و الدنيا، و ما أحسن تعليق الإمام المناوي على ما أورَد من أخبارهم بقوله: (و بما تقرّر يُعلَمُ أنّه يَحرُم على المُفتي التساهل).

قلتُُُُ: و يوافق قولَ النووي: (قالوا: المفتي مُوقِّعٌ عن الله تعالى) المتقدّمَ فِعلُ ابنِ القيّم حيث سمّى كتابه الشهير إِعلام (و ضُبِطَ: أَعلام) الموقّعين عن ربّ العالمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير