تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و كذا قول الإمام الشاطبي رحمه الله: (المفتي قائمٌ في الأمّة مقام النبيّ صلى الله عليه و سلّم) [الموافقات: 4/ 140].

المسألة الثانية:

يحرُم التساهل في الفتوى بدعوى التيسير، كما يَحرُمُ استفتاء من عُرِف بالتساهل، ما لم يَكُن المفتي صادراً عن دليلٍ شرعيٍّ (من الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو القياس) منضبط.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: (لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكماً أو مفتياً أن يحكم و لا أن يفتي إلا من جهةِ خبرٍ لازمٍ ... و ذلك الكتاب و السنة، أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه، أو قياس على بعض هذا، و لا يجوز له أن يحكم و لا يُفتي بالاستحسان) [الأم: 7/ 298].

وقال النووي رحمه الله: (يحرم التساهل في الفتوى و من عُرِف به حرم استفتاؤه) [آداب الفتوى و المفتي، ص: 37].

و قال ابن الصلاح رحمه الله: (لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى , و من عرف بذلك لم يجز أن يُستفتى , و ذلك قد يكون بأن لا يَتثبَّت و يسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر و الفِكر, و ربّما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعةٌ , و الإبطاءَ عجزٌ و منقصة، و ذلك جهلٌ، و لأن يُبطئ و لا يخطئ , أجمل به من أن يَعْجَلَ فيضلَّ و يَضِلَّ) [فتاوى ابن الصلاح: 1/ 46، و انظره في أدب المفتي و المستفتي 1/ 111].

و قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله: (يحرم تساهل مُفتٍ في الفتيا، و تقليد معروفٍ به) [الفروع: 6/ 379].

و قال في موضع آخر: (يحرم التساهل في الفتيا، و استفتاء من عُرف بذلك) [المبدع: 10/ 25، و نقله عنه البهوتي في كشاف القناع: 6/ 300].

المسألة الثالثة:

إن السلَف الصالح (و منهم من بَلَغَنا خبَرُهم من الصحابة و الأئمّة الأربعة و غيرهم) رضوان الله عليهم أجمعين دأبوا على التحذير من تتَبّع الرخَص في الفتوى، و اعتبروا ذلك من علامات فساد دين فاعله، و حذَّروا منه أشدّ التحذير، و من ذلك قول الإمام النووي المتقدّم: (لو جاز اتّباع أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رُخَص المذاهب متبعاً لهواه، و يتخير بين التحليل، و التحريم، و الوجوب، و الجواز، و ذلك يؤدي إلى الانحلال من ربقة التكليف). [المهذّب شرح المجموع: 1/ 5].

و ذكر الإمام الشاطبي رحمه الله التلفيق بين المذاهب، فذمّه بقوله: (يُفضي إلى تتبّع رُخَص المذاهب من غير استنادٍ إلى دليلٍ شرعيٍ) [الموافقات: 4/ 72]، ثمّ روى عن ابن حزم حكاية الإجماع على (أنّ ذلك فِسقٌ لا يَحِلّ). [الموافقات: 4/ 74].

و قال الحافظ الذهبي: (من تتبع رخص المذاهب و زلات المجتهدين؛ فقد رَقَََّ دينُه كما قال الأوزاعي و غيره: من أخذ بقول المكيين في المتعة، و الكوفيين في النبيذ، و المدنيين في الغناء، و الشاميين في عِصمة الخلفاء؛ فقد جمع الشر.

و كذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها، و في الطلاق و نكاح التحليل بمن توسع فيه، و شِِبه ذلك، فقد تعرض للانحلال فنسأل الله العافية و التوفيق) [سير أعلام النبلاء: 8/ 90].

روى الحافظ ابن عبد البر عن سليمان التيمي قال: (لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع في الشر كله)، ثمّ قال ابن عبد البر: و هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً. اهـ. [جامع بيان العلم و فضله: 2/ 112].

المسألة الرابعة:

إنَّ في تتبّع التخفيفات، و العزوف عن العزائم إلى الرخَص، مذمومٌ لما فيه من مجاراة اليهود الذين غَضِبَ الله عليهم و لعنهم، و جَعلَ منهم القردة و الخنازير.

روى القرطبي في تفسير قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) [المائدة: 41] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: زنى رجل من أهل فَدَك، فكتب أهل فدك إلى ناسٍ من اليهود بالمدينة؛ أن سلوا محمداً عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير