تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأولى: أنَّ الاختيار واقع منه صلّى الله عليه و سلّم فيما خُيّر فيه، و ليس في كلّ ما أوحيَ إليه أو كُلّف به، هو أو أمّته، و مثال ذلك الاختلاف في صيَغ الأذان، و تكبيرات العيد، و ما إليه حيث لا يعيبُ من أخَذ بهذا على من أخذَ بذاك من العلماء، لثبوت الروايات بالأمرين كليهما.

و الثانيّة: تقييد التخيير بما لم يكُن إثماً، و لا شكّ أنّ العدول عن الراجح إلى المرجوح، أو تعطيل (و من باب أولى رد) ما ثبت من الأدلّة الشرعيّة إثمٌ يُخشى على صاحبه من الضلال، فلا وَجه لاعتباره من التيسير المشروع في شيء.

و الثالثةُ: أنّ التخيير المذكور في الحديث يُحمل على أمور الدنيا لا الدِّين، و هذا ما فهمه أهل العِلم قَبلَنا، و منهم الحافظ ابن حجر، حيث قال رحمه الله في الفتح: (قولُه بين أمرين: أي من أمور الدنيا. لأن أمور الدين لا إثم فيها ... و وقوع التخيير بين ما فيه إثم و ما لا إثم فيه من قِبَل المخلوقين واضح، و أمَّا من قبل الله ففيه إشكال؛ لأن التخيير إنما يكون بين جائِزَين) [فتح الباري: 6/ 713].

و الرابعة: أنّ هذا الخبر ما لم يُقيّد بما سبق سيكون معارضاً باختيار النبيّ صلّى الله عليه و سلّم الأشقَّ على نفسه، كقيامه الليل حتّى تتشقق قدَماه مع أنّ الله تعالى قد غَفَر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر. قال الحافظ في الفتح: (لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى الإثم أمكن ذلك بأن يخيره بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض ما يخشى مع الاشتغال به أن لا يتفرغ للعبادة مثلاً، و بين أن لا يُؤتِيَه من الدنيا إلا الكفاف، و إن كانت السعة أسهل منه، و الإثم على هذا أمر نسبي، لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة له) [فتح الباري: 6/ 713].

ثالثاً: لا تكليف بدون مشقّة، و أن كانت المشقّة الحاصلة بكلِّ تكليفٍ بحَسَبه، و هي متفاوتة، فإذا جاز لنا تخيّر أيسر المذاهب دفعاً لكلّ مشقّةٍ، ترتّبَ على ذلك إسقاط كثيرٍ من التكاليف الشرعيّة ...

قال الإمام شمس الدين ابن القيّم رحمه الله: (لو جاز لكل مشغول وكل مشقوق عليه الترخيص ضاع الواجب واضمحل بالكلية) [إعلام الموقعين 2/ 130].

و قال أيضاً في مَعرض كلامه عن رُخَص السفَر: (إنَّ المشقة قد عُلِّقَ بها من التخفيف ما يناسبها، فإن كانت مشقة مرض و ألم يُضِرُّ به جاز معها الفطر و الصلاة قاعداً أو على جنب، و ذلك نظير قصر العدد، و إن كانت مشقّةَ تعبٍ فمصالح الدنيا و الآخرة منوطةٌ بالتعب، و لا راحة لمن لا تعب له بل على قدر التعب تكون الراحة فتناسبت الشريعة في أحكامها و مصالحها بحمد الله و مَنِّه) [إعلام الموقعين 2/ 131].

شبهتهم الثانية و ردُّها: زعموا أنّهم مُقلّدون في اختيارهم للأيسر، و اعتمادهم إيّاه في الفتوى، و أنّ لهم سَلفٌ فيما أفتوا به، و لو كان قولاً ضعيفاً، أو شاذّاً، أو مَرجوحاً، بل صاروا ينكِرون على من خالَفهم بغير دليل، لا لشيءٍ سوى لأنّه لم يذهَب مَذهبَهُم، و لم يَصِر إلى ما صاروا إليه من الإفراط في التيسير، و لو بتعطيل أو إغفال أدلّة مخالفيهم.

و هُم في هذا مَحجوجون بانعقاد الإجماع على خلاف منهجهم، فقد قال الإمام القرّافي رحمه الله (أمّا الحُكم و الفتيا بالمرجوح فهو خلاف الإجماع) [مواهب الجليل: 6/ 91].

و قال الإمام النووي: (لو جاز اتّباع أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متَّبِعاً لهواه، و يَتخيَّرَ بين التحليل و التحريم و الوجوب و الجواز، و ذلك يؤدي إلى الانحلال من رِبقة التكليف) [المهذّب: 1/ 5].

و قال الإمام الشاطبي رحمه الله: (رُبَّما وقع الإفتاء في المسألة , فيقال: لِمَ تمنع و المسألة مختلف فيها؟ فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها , لا لدليل يدل على صحة الجواز, ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، و هو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمداً , و ما ليس بحجة حجة) [الموافقات: 4/ 78].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير