تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم توزعت الأقطار النشاطَ العلمي، وكان حظ إقليم الهند من هذا الميراث -منذ منتصف القرن العاشر- هو النشاطَ في علوم الحديث، فأقبل علماء الهند عليها إقبالاً كليًّا، بعد أن كانوا منصرفين إلى الفقه المجرد والعلوم النظرية.

ولو استعرضنا ما لعلماء الهند من الهمة العالية العظيمة في علوم الحديث من ذلك الحين - مدةَ ركود سائر الأقاليم -: لوقع ذلك موقع الإعجاب الكلي والشكر العميق. وكم لعلمائهم من شروح ممتعة وتعليقات نافعة على الأصول الستة وغيرها، وكم لهم من مؤلفات واسعة في أحاديث الأحكام، وكم لهم من أيادٍ بيضاء في نقد الرجال، وعلل الحديث، وشرح الآثار، وتأليف مؤلفات في شتى الموضوعات. والله سبحانه هو المسؤول أن يديم نشاطهم في خدمة مذاهب أهل الحق ويوفقهم لأمثال ما وُفقوا له إلى الآن، وأن يبعث هذا النشاط في سائر الأقاليم من جديد.

ومن أحسن الكتب للأقدمين في أحاديث الأحكام - سوى الصحاح والسنن والمسانيد -: مصنف ابن أبي شيبة ()، وكتب الطِّحاوي ولا سيما (معاني الآثار)، وكتبُ ابن المنذر ولا سيما (الإشراف)، وشروحُ الجصاص: لمختصر الطِّحاوي، ومختصر الكَرخي، و (الجامع الكبير)، وكتبُ ابن عبد البر (كالتمهيد) و (الاستذكارِ)، وكتب (الأحكام) لعبد الحق، و (الوهمُ والإيهام) لأبي الحسن بن القطان، وكتب البيهقي، والنووي، وكتب ابن دقيق العيد من (الإمام) و (الإلمامِ) و (شرح العمدة).

و (اللبابُ في الجمع بين السنة والكتاب) لأبي محمد المنبجي (2)، و (الاهتمامُ بتلخيص الإلمام) لقطب الدين الحلبي - وقد أصلح ما غلط فيه ابن دقيق العيد من عزو الحديث في (الإلمام) إلى غير من خرّجه - وتحقيقُ ابن الجوزي، ومنتقى المجد ابن تيمية، وتنقيح ابن عبد الهادي.

وكتبُ التخاريج كلها، - ومن أنفعها و أوسعها (نصب الراية) للجمال الزيلعي (3) - و (المعتصر) للجمال الملطي، وكتب ابن حجر وخصوصًا (فتح الباري) و (التلخيص الحبير)، وكتب البدر العيني ولا سيما (عمدة القاري) و (شرح معاني الآثار) و (شرح الهداية)، وكتب العلامة قاسم وخاصة تخريج أحاديث (الاختيار)، إلى غير ذلك مما لا يحصى من الكتب المؤلفة إلى أوائل القرن العاشر.

ثم يأتي دور إخواننا الهنود - من أهل السنة - فمآثرهم في السنة في القرون الأخيرة فوق كل تقدير، وشروحهم في الأصول الستة تزخر بالتوسع في أحاديث الأحكام. فدونك (فتحَ الملهم في شرح صحيح مسلم) (4) و (بذل المجهود في شرح سنن أبي داود) (5) و (العَرفَ الشذي في شرح سنن الترمذي) (6) إلى غير ذلك مما لا يحصى، ففيها البيان الشافي في مسائل الخلاف، ولبعض علمائهم أيضًا مؤلفات خاصة في أحاديث الأحكام على طراز بديع مبتكر، وهو استقصاء أحاديث الأحكام من مصادرها وحشدُها في صعيد واحد في الأبواب، والكلام على كل حديث منها جرحًا وتعديلاً، وتقوية وتوهينًا.

وها هو العلامة مولانا ظهير حسن النيموي رحمه الله قد ألف كتابه (آثار السنن) في جزأين لطيفين (7)، وجمع فيهما الأحاديث المتعلقة بالطهارة والصلاة على اختلاف مذاهب الفقهاء، وتكلم على كل حديث منها جرحًا وتعديلاً على طريقة المحدثين، وأجاد فيما عمل كل الإجادة، وكان يريد أن يجري على طريقته هذه إلى آخر أبواب الفقه لكن المنيّة حالت دون أمنيته رحمه الله. وهذا الكتاب مطبوع بالهند طبعًا حجريًا إلا أن أهل العلم تخاطفوه بعد طبعه، فمن الصعب الظفر بنسخة منه إلا إذا أعيد طبعه.

وكذلك عُني بهذا الأمر العلامة الأوحد، والحبر المفرد، شيخ المشايخ في البلاد الهندية، المحدث الكبير والجهبذ الناقد، مولانا حكيم الأمة: محمد أشرف علي التهانوي صاحب المؤلفات الكثيرة البالغ عددها نحو خمسمائة مؤلَّف ما بين كبير وصغير (8)، فألف - طال بقاؤه - كتاب (إحياء السنن) وكتاب (جامع الآثار) في هذا الباب، ويغني عن وصفهما ذكر اسم مؤلفهما العظيم، وكلاهما مطبوع بالهند (9)، إلا أن الظفر بهما أصبح بمكان من الصعوبة حيث نفدت نسخهما المطبوعة لكثرة الراغبين في اقتناء مؤلفات هذا العالم الرباني - وهو الآن قد ناهز التسعين أطال الله بقاءه - (10)، وهو بركة البلاد الهندية، وله منزلة سامية عند علماء الهند حتى لقبوه: حكيم الأمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير