الثالث: لماذا اختلفوا؟ لانهم بغوا
الرابع: هل هم جميعا بغاة؟ نعم لأنه قال ? ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا?
الخامس: هل يعني أن المؤمنين حقا لا يختلفون في الكتاب؟ نعم المؤمنون لا يختلفون في الكتاب.
ما هو موضع الذين اختلفوا؟ أهل شقاق ونفاق: ?وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد?
(البقرة 176)
لكن من (الذين اختلفوا)، من هو مؤمن، لقوله تعالى ? ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر?
(البقرة 253)
فكيف قلنا أن جميعهم بغاة؟ هنا تظهر وحدة من دقائق النظام القرآني فالذين اختلفوا في الكتاب هم جميعاً بغاة أهل الشقاق عن قصد ومعرفة! أما الذين في هذه الآية فليسوا أولئك! إنهم الذين جاءوا من بعدهم فلم يقل أنهم اختلفوا في الكتاب، بل اختلفوا وحسب فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، أما الذين اختلفوا في الكتاب نفسه فهم جميعاً من أهل الشقاق.
وقد تسأل قائلاً: إن القرآن امتدح بعض أهل الكتاب كقوله ? من أهل الكتاب أمة قائمة? (آل عمران 183)
والجواب: أننا نخبرك بما هو أدق من ذلك، (فأهل الكتاب) هم غير الذين (أتوا الكتاب) وهؤلاء غير (الذين آتيناهم الكتاب) فالذين (أوتوه) بالبناء للمجهول، هم أهل شقاق لم يختلف في الكتاب سواهم (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه).
وأما الذين (آتيناهم الكتاب) فإنهم أصفياء الله الممدوحين في كل القرآن الكريم وبجميع السور، أتدري لماذا؟ لأن الله آتاهم الكتاب ... أما الذين (أوتوا) بالبناء للمجهول فهم (علماء)، سلمت لهم جهة ما غير الله مسئولية تبيان الكتاب!
فاختلفوا فيه لانهم كفروا من أول لحظة وهي قبولهم حمل الكتاب من غير أن يحملهم الله هذه الأمانة! ولذلك يجىء بأداة الحصر عنهم (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه).
فالجهلة بالكتاب لا يختلفون فيه لانهم لا علم لهم به إنما يختلف فيه العلماء لأنهم يتعاملون مع الكتاب وتحملوا أمانة حمله عن قصد بدلا عن الذين (أتيناهم الكتاب)، وإنما تحملوا عن قصد لهذه الغاية فقط وهي إبقاء الاختلاف، لان الكتاب هو مصدر هداية وتوضيح للاختلاف فلايمكن أن يختلف فيه، ولن يقدر على إظهار هذا الاختلاف إلا الذين يتعاملون معه. ونسأل مرة أخرى: أي كتاب هو المقصود؟
ويجيبك المنهج: في هذه الآيات يفسرونه بأنه التوراة والإنجيل (والذين أوتوه) هم جميع اليهود والنصارى، لإخراج الذين اختلفوا من أهل القرآن من جملتهم، لذلك ينكرون وقوع الاختلاف مع أنهم مختلفين في كل شيء أو يحاولون تبرير هذا الاختلاف واعتباره رحمة.
وقد تقول: ليتنا نرى الآيات التي تمدح الذين آتيناهم الكتاب وتذم الذين أوتوا الكتاب لنتأكد من النظام الصارم الإحكام العجيب في القرآن، إذن اسمع:
?والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك? الرعد / 26
? والذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته? البقرة/ 121
?الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم? البقرة / 146
?الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق? الأنعام /114
وأما موارد الذم للذين أوتوا الكتاب فهي كثيرة هذه بعضها:
? ولئن أتيت الذين آتو الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك? البقرة/145
? يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت? النساء/ 47
? ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم? الحديد/ 16
وذلك عدا الآيات التي حصرت الاختلاف فيهم وحدهم والتي مررت عليها قبل قليل.
وقد تسأل: إذن فالذين أوتوا والذين أتيناهم ليسوا سواء كما زعم المفسرون وليسوا اليهود والنصارى خصوصا بل كل من تعامل مع كتاب إلهي، فكيف إذن أن نفرق بين أصحاب تلك الكتب؟
ويجيبك المنهج قائلا: هذه واحدة أخرى من دقائق النظام الصارم في القرآن، فإذا قصد اليهود والنصارى جاء بمركب (من قبلكم) أو (من قبل)! كما في هذه الآيات:
? ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم واياكم? النساء/131
? ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل? الحديد/16
? والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم? المائدة/5
¥