تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأقوال المفسرين لا تتّفق عنده مع ظاهر النصّ وعرض السياق القرآني. ولذلك يظهر له أن ما علّمه الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام، هو «شيء عظيم آخر، استنفر الملائكة، واستثار حماسها وتنافسها». وهذا الشيء العظيم، هو: أسماء الأنداد وما يُعبد من دون الله!!!

وفيما يلي نريد أن نتفحّص الادعاءات التي بنى عليها الباحث «تأويله المضطرد» لـ"الأسماء"، وسنناقش الأدلّة التي احتجّ بها واحداً واحداً.

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[09 - 07 - 2005, 01:32 م]ـ

الدليل الأول:

احتجّ الباحث في مقدّمته بأن استخلاف آدم في الأرض كان بمثابة " المنافسة " للملائكة، قال: « .. أما الآية التي نحن بصددها " وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا "، فيظهر أنه شيء عظيم آخر استنفر الملائكة، واستثار حماسها وتنافسها، فما هو؟». ثم طبّق هذا المفهوم على قوله تعالى: " إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً "، يقول متسائلاً: «فلماذا تتّجه الملائكة مباشرة إلى ما يجوز لنا أن نسمّيه " الافتراض السلبي " في الخليفة المنتظر: " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء "؟ وهو السؤال أو الافتراض الذي حيّر المتدبّرين والمؤوّلين، فلم يقفوا له على داع ولا جواب، وكل ما عليه التفاسير إنما هو من أعلى درجات الظنّ والتخريص. ولا تعدو بحال أن تكون مجرد استنتاجات فرضية لا يقوم بها برهان. ولا داعي لعرضها ونقلها هنا، فلا يخلو منها كتاب تفسير لمن يسأل عنها. وعندما بدأنا بحثنا، استقبلناه بالسؤال الأول: " لماذا الأرض ومن للسماء "؟ فنجد ظاهرا جليّاً أن " الأرض " بذاتها كانت من محلات الإثارة ودوافع الاستفسار لدى الملائكة، ثم نجد الملائكة تقدم لاقتراحها بتسبيحها وتقديسها، فلماذا هذا التقديم التنافسي، وعلى ماذا، مع من؟!»

ذلكم ما ذهب إليه صاحب البحث في مقدّمته، حيث جعل استخلاف آدم في الأرض بمثابة " المنافسة " للملائكة، الأمر الذي يوحي – بحسب زعمه - بأن الملائكة كانوا يريدون بذلك عرض أحقيّتهم بالخلافة. وهذا القول لا يستقيم إلا إذا ثبت أن الخلافة التي رُشّح لها آدم عليه السلام كانت أرفع شأناً وأعظم خطراً من مكانة الملائكة نفسها في هذا الكون، حتى زهدت الملائكة في مكانتهم تلك، وتطلّعوا إلى نيل الخلافة في الأرض. والحق أننا لم نجد دليلاً يثبت ذلك، بل إن ما اطلعنا عليه يثبت غير ذلك، حيث قال تعالى وهو يذكر الإنسان بما حباه به من فضل وكرامة: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً " (الإسراء 70). فهذه الآية صريحة في أن الإنسان لم يُفضَّل على جميع الخلائق، وإنما فُضِّل على كثير منهم. وبالتالي فهي صريحة في أن الإنسان لم يُفضَّل على الملائكة، فإنه لو كان فُضِّل عليهم لكان قد فُضِّل على الجميع، حيث إنه لا يبقى بعدهم من يُقال بفضله على الإنسان.

إذاً فليس لدينا ما يثبت فضل آدم على الملائكة – عليهم السلام - بل الأمر على العكس، لأن المكانة التي خصّ الله بها الملائكة في هذا الكون الهائل العظيم ليست أقلّ شأناً من أن يكونوا خلفاء في هذه الأرض، بل لعلّها أعزّ وأشرف وأخطر شأناً من هذه الخلافة ألف مرّة. فهل من الممكن أو من المعقول أن يزهد الملائكة في مكانتهم تلك ويرغبوا عنها أو يزدروها حتى يروعهم ويقلق بالهم أن ربّهم آثر غيرهم بأن يكون خليفة في الأرض؟ كلا ثم كلا! فلم يكن السبب في استغرابهم أنهم حسبوه منقصة لشأنهم وغضّاً من مكانتهم وإيثاراً لغيرهم عليهم كما قيل. وإنما كانت هذه كالمناظرة من الملائكة والجواب عن سؤالهم، كأنهم قالوا: إن استخلفتَ في الأرض خليفة كان منه الفساد وسفك الدماء، وحكمتك تقتضي أن لا تفعل ذلك، وإن جعلتَ فيها فتجعل فيها من يسبّح بحمدك ويقدّس لك، ونحن نفعل ذلك، فأجابهم سبحانه وتعالى عن هذا السؤال بأن له من الحكمة في جعل هذا الخليفة في الأرض ما لا تعلمه الملائكة، وإن وراء ما زعمتم من الفساد مصالح وحكماً لا تعلمونها أنتم .. وسيأتي لذلك مزيد من البيان في موضعه إن شاء الله.

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[09 - 07 - 2005, 01:54 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير