تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن ما ذكره الباحث من أن سورة البقرة «جاءت لتفصل بين المؤمنين وبين الكافرين، بين المصلحين والمفسدين في الأرض»، فهذا قول فيه نظر. لأنه لا تخلو سورة في القرآن العظيم من التفصيل بين المؤمنين والكافرين. ولكن سورة البقرة وتلك الحلقة من قصّة آدم عليه السلام فيها، اختصّت بشيء آخر عظيم، مفاده أن الخلافة في الأرض تعتمد أساساً على العلم. فإن الله سبحانه وتعالى عليم، وهو لا يرضى لخلافته إلا من يكون متضلّعاً من العلم، فالعلم هو العمدة والأساس، وهو الذي يؤهّل - من يؤهّل – للخلافة في الأرض.

ثم حين نتجاوز هذه القصة إلى جو السورة بشكل عامّ، نجد أنها جاءت لإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن مبعثه عليه السلام كان إيذاناً بنقل الخلافة من بني إسرائيل إلى قوم آخرين، لما أنهم ضيّعوا العلم وكتموا الحقّ ولبّسوه بالباطل، وقد فُصّلت هذه الظاهرة تفصيلاً في هذه السورة المباركة.

فلما لم يتمسّك بنو إسرائيل بالعلم ولم يحافظوا عليه وضيّعوه باللبس والكتمان لم تبقَ عندهم إلا الأهواء، كما قال تعالى: " وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ " (البقرة 120)، وكما قال سبحانه: " وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ " (البقرة 145). ثم نرى الله تعالى حين قرّر أن يحوّل الخلافة من بني إسرائيل إلى الأميين بعث فيهم رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، قال تعالى: " كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ " (البقرة 151). ثم نرى في نفس السورة أن بني إسرائيل لما قالوا لنبي لهم: " ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ "، قال لهم نبيّهم: " إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ". ودلّ على سرّ هذا الاختيار – وهو البسطة في العلم والجسم – حيث قال: " إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (البقرة 247). ثم لما انهزم جالوت وجنوده، وقتله داود، انتقل الملك إليه، والذي أهّله لهذا الملك العظيم هو العلم والحكمة، حيث قال تعالى: " فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء " (البقرة 251).

ففي هذه القرائن ما يكفي لإدراك المناسبة بين جو السورة وبين تلك الحلقة من قصة آدم عليه السلام، التي خصّت بها هذه السورة. وسنردف ذلك الإجمال بشيء من الإيضاح والتفصيل في نهاية البحث إن شاء الله تعالى.

يتبع ..

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[09 - 07 - 2005, 02:11 م]ـ

الدليل الثالث:

يعقّب الباحث على دعوى الملائكة في الآية، قائلاً: «الملائكة بنصّ الآية ادّعوا ادعاءين: " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء "، وهذه هي الأولى، ثم: " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ "، وهذه الثانية. أما الأولى فما جرى بعد هبوط آدم إلى الأرض كان بيّنة على صدقهم، إذ ما لبث أن سفك ابن آدم دم أخيه، فكتب الله " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض "، فها هو السفك، وها هو الإفساد، فهذه مضت وبان صوابهم بها. وأما الثانية، فهي معقد الحدث والحديث " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ "، " لَكَ "؟! وفيها ما فيها من الاختيارية والانتقائية من العابد للمعبود، فهل كان هناك أمام الملائكة "عرض آخر" أو رب آخر – تعالى الله - لتختار الملائكة أن تسبح " لَكَ " دونه؟ ولو اكتفت الملائكة بذكر الفعل نفسه لكان قولها صواباً عادلاً. أما " لَكَ "، فهذه ما أوجبت النظر، واستلزمت السؤال! فهل هناك رب غير الله، تعالى الله؟ وإن كانت الملائكة صادقة بدعوى الاختيار " لَكَ "، فلتنبئ بأسماء هؤلاء! فلو كان في بلد ما طبيب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير